ان القانون ليس غاية في ذاته ، وانما هو مجرد وسيلة تستهدف غاية في ذاته وانما هو مجرد وسيلة تستهدف غاية اسمى تتجلى في التوفيق بين مصالح ورغبات افراد المجتمع المتعارضة بما يحفظ الامن والنظام في المجتمع ويكفل بالتالي بقاء هذا المجتمع .
الا ان القانون لا تتجلى اهميته في توفير الوجود او البقاء للمجتمع ، ولكن اهميته تظهر كذلك على المستوى السعي الى تحسين حال المجتمع ، ولن يتوافر له هذا الا اذا وجدت خطة مرسومة يسير عليها ، ويلتزم افراده باحترامها ولو قسرا عنهم واجبارا ، ومن خلال القواعد التي ترسم هذه الخطة يتكون القانون .
واذا كان القانون يساهم في تقدم المجتمع ورقيه ، فانه لا يتميز بطبيعة ثابتة ، وانما هو يتغير وتختلف احكامه بالضرورة باختلاف البيئة فالقانون يتعين ان يساير ظروف الحياة الاجتماعية دائمة الحركة ، حتى يحقق الغاية منه وهي رقي وتقدم الجماعة وفقا لما تطلع اليه من اهداف اقتصادية او سياسية او اجتماعية وغيها .
اونطلاقا مما سلف يظهر ان قوة القانون ومدى ما يكتسبه من احترام ورهبة من طرف المخاطبين بأحكامه ، تتوقف على مدى تحقيقه للعدل فهذا الاخير هو الذي يجعل الافراد يحترمون القوانين والمساوة .
وقد ظهرت عدة محاولات قامت بتفسير العدل على أساس التناسب الذي يتجسد في المساواة والتعادل بين الاداء الذي يدفعه احد الطرفين والمقابل الذي يحصل عليه الطرف الاخر ، فالعدل يقوم على اساس اعطاء كل شخص ما يستحقه سواء كان ثوابا او عقابا او اعترافا بحق
الا ان تعريف العدل على نحو ما سالف يتسم بالشمول الذي يقصر عما ينبغي له من ظبط وتحديد ولهذا قسم الفقه العدل الى ثلاثة أقسام عدل تبادلي وعدل توزيعي وعدل اجتماعي .
العدل التبادلي :
ينصرف هذا العدل الى المساواة الكاملة بين الافراد اي المساواة من الناحية الحسابية بكيفية مطلقة .وهذا العدل يسود في مختلف علاقات الافراد سواء استندت الى عقد او لم تستند عليه وايا كان مصدرها . ففي مجال العلاقات التعاقدية اذا اقترض شخص مثلا مبلغا من النقود من شخص اخر يعين عليه ان يرد اليه ما اقترضه منه .
ويطبق هذا العدل حتى خارج العلاقات التعاقدية فاذا احدث شخص ضررا لاخر ، التزم بتعويضه عن الضرر الذي سببه له في حدود هذا الضرر .
العدل التوزيعي :
ينصرف العدل التوزيعي الى علاقة الفرد بالجماعة على مستوى التزام هذه الاخيرة به نحو الافراد المكونين لها ، ويتجلى ذلك في توزيع الثروات وكل المزايا الاخرى المتاحة على افراد المجتمع .وبخلاف العدل التبادلي فان العدل التوزيعي لا تسوده قاعدة المساومة التامة بل تسوده مساواة تناسبية فاساس العدل التوزيعي هو ان يكون التوزيع بين افراد المجتمع وفق حاجاتهم وقدرتهم وجدارتهم بحيث لا ينبغي في العدل التوزيعي ان يعامل الافراد على اساس المساواة الحسابية وهم يختلفون في هذا الامور .
وتبعا لذلك يرتبط نصيب الفرد من خيرات المجتمع بل ان اغلب الدول لا تكتفي في العدل التوزيعي بالخدمات المؤداة بل بعناصر اخرى كالضعف الطبيعي كما هو الحال بالنسبة للانظمة الخاصة بالوصاية على القصر والمجانين وكذلك الامر بالاعتداد بالضعف الاقتصادي عن طريق تخويل الضعفاء حماية اضافية ومسعدات تكميلية .
العدل الاجتماعي :
ينصرف العدل الاجتماعي الى العدل في علاقة المجتمع بالفرد لا بصفته فردا ، بل باعتباره جزءا من هذا المجتمع ويظهر في الواجبات المفروضة عليه تحقيقا للمنفعة العامة للمجتمع .ولعل الاساس الذي يقوم عليه العدل الاجتماعي المتمثل في الصالح العام هو ما يبرر تسخير الافراد لخدمة الجماعة المتمثلة في الدولة باعتبارههم اجزاءها الكونين لها ، ويكون حق الدولة في هذه الحالة حقا واجب الاداء .