1. القانون رقم 103.12 المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها الذي تم التصويت عليه بنجاح في مجلس النواب في المغرب بتاريخ 24 نوفمبر 2014 قد اشتمل على فصل خاص بالبنوك التشاركية، وهو التعبير الذي اختاره المغاربة لتسمية البنوك الإسلامية. ويصدر هذا القانون في ظل بيئة جماهيرية وأكاديمية وبحثية متميزة تضع المالية الإسلامية ضمن أولوياتها واختياراتها القيمية.
2. أوضح تقرير تومسون رويترز أن أنشطة المالية الإسلامية التي يعتزم المغرب اعتمادها يمكن أن تدر عليه أكثر من 70 مليار درهم بنسبة 3 إلى 5 بالمئة من مجموع النشاط البنكي في المغرب بحلول سنة 2018. وذلك استنادًا إلى دراسة سابقة أظهرت أن 94 في المئة من المغاربة يفضلون الادخار في مؤسسات حسب الشريعة الإسلامية.
3. وهناك العديد من النقاط التي تستحق الإشادة والتعليق في القانون غير أن هذا المقال سيقتصر على ما يتعلق بالرقابة الشرعية. ومن هذه الزاوية يبدو أن القانون قد حقق أهدافًا متقدمة عن كل قوانين البنوك الإسلامية التي صدرت حتى الآن عدا أندونيسيا والتي سيكون لنا عودة لقراءة متخصصة له.
4. إن ذروة ما تتوخاه الرقابة الشرعية، والمصرفية الإسلامية بصفة عامة هو توحيد المرجعية الشرعية والمحاسبية والقانونية والرقابية للمؤسسات المالية الإسلامية، بحيث يثمر هذا التوحيد عن نموذج موحد للعمل المالي والمصرفي الإسلامي، وفق أنماط محددة تنظمها المرجعيات العليا. وتمثل المرجعية الشرعية الموحدة قمة تلك الذروة. وقد اختار القانون المغربي أن يقف على القمة حيث نص على أن المرجعية الشرعية ستكون في المجلس العلمي الأعلى حصرًا وهو المجلس الشرعي على مستوى المملكة المغربية وله مجالس إقليمية على كامل التراب المغربي.
5. جاء في ديباجة القانون ما يأتي: (إحداث نوع جديد من الخدمات البنكية من خلال إدماج أنشطة البنوك التشاركية في النظام البنكي الوطني. ويستند هذا النمط الجديد من الأنشطة البنكية إلى فلسفة ومقاربة مالية وتشريعية مميزة تسمح بالمساهمة في تنويع مصادر التمويل، ويفتح الطريق أمام الابتكار في مجال الهندسة المالية وبناء الاستثمار، ووضع أسس بنكية جديدة تقوم على مبادئ اقتسام الأرباح والخسائر والاعتماد الحصري على المجلس العملي الأعلى من أجل إبداء الرأي بالمطابقة). وجاء ما يؤكد ذلك في المادة 54 من القانون وهي الأولى من القسم الثالث الخاص بالبنوك التشاركية، وخاتمة المادة 58 الخاصة بالصيغ التمويلية.
6. وأضافت المادة 62 بعدًا جديدًا فجعلت المجلس الأعلى المذكور مهيمنًا على البنك المركزي المشرف على الأبنائك في الدولة ونصها: (يصدر المجلس العلمي الأعلى ... آراء بالمطابقة في الحالات التالية: طلب الحصول على الاعتماد لمزاولة النشاط كبنك تشاركي - طلب الإذن لتسويق منتوجات أو خدمات تشاركية من طرف مؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها الغير المعتمدة كبنوك تشاركية - بشأن مناشير والي بنك المغرب المنصوص عليها في هذا القسم).
7. كما ألزم القانون البنوك التشاركية برفع تقارير عن مطابقة أعمالها لمقررات بالمجلس العلمي الأعلى، وذلك في المادة 53 منه ونصها: (ترفع البنوك التشاركية إلى المجلس الأعلى المشار إليه في المادة 62 عند نهاية كل سنة محاسبية تقريرًا تقييماً حول مطابقة عملياتها وأنشطتها للآراء بالمطابقة الصادرة عن المجلس العلمي الأعلى). ورغم أهمية هذا التقرير إلا أنه يفتقر إلى الاستقلالية المنشودة، فلا يمكن لإدارات الأبناك نفسها أن تنفرد بإصدار مثل هذا التقرير لصالح المركزي، وإنما يجب أن تقوم به جهات رقابية مستقلة عن الأبناك، ولا يمكنني تقييم هذا التقرير إلى نوعًا من الرقابة الشرعية الداخلية طلب المركزي الاطلاع عليه من منطلق رقابة المركزي المكتبية.
8. وعلى صعيد الرقابة الشرعية الداخلية ألزم القانون البنوك التشاركية باستحداث وظيفة داخلية لهذا الغرض وذلك في المادة 64 منه ونصها: (يجب على البنوك التشاركية أن تحدث وظيفة للتقيد بآراء المجلس العلمي الأعلى تقوم بما يلي: ضمان تتبع وتطبيق الآراء بالمطابقة الصادرة عن المجلس العلمي الأعلى المذكور ومراقبة احترامها – السهر على وضع واحترام الدليل والمخاطر الواجب احترامها – التوصية باعتماد التدابير المطلوبة في حالة عدم احترام مؤكد للشروط المفروضة عند تقديم منتوج للجمهور صدر في شأنه المجلس العلمي الأعلى السالف الذكر رأي بالمطابقة... وتحدد شروط وكيفيات سير وظيفة التقيد بآراء المجلس العلمي السالفة الذكر بمنشور يصدره والي المغرب بعد استطلاع رأي لجنة مؤسسات الائتمان). وهذا كاف وواف في نظري على مستوى الرقابة الداخلية، وربما يعد مثاليًا لترابطه مع مناشير المركزي وآراء المجلس العلمي الأعلى.
9. ما خلف القانون هو أن توحيد المرجعية الشرعية اقتضى إلغاء هيئات الرقابة الشرعية على مستوى البنوك، فلم تعد الفتوى موجودة على مستوى كل بنك، وأصبحت منحصرة في المجلس العلمي الأعلى، كما اقتضى إهمال مهمة التدقيق الشرعي التي كانت موكلة إلى هيئات الرقابة الشرعية الخاصة على مستوى كل بنك، وأكد على مهمة الرقابة والتدقيق الشرعي الداخلي، وعلى وجود نوع من الرقابة الإشرافية المكتبية للبنك المركزي.
10. إن هذه الخطوة المتقدمة التي اقتحمها القانون المغربي تستوجب على البنك المركزي تفعيل التدقيق الشرعي الخارجي –على غرار المحاسب القانوني- لضمان استقلالية المطابقة بين التطبيق وآراء المجلس العلمي الأعلى، ولن يعدم الرواد المغاربة المبادرة إلى تحقيق هذه الخطوة الهامة.
الأقسام:
مقالات