محمد حلمناش
استقلالية السلطة القضائية
تقديم:
العدل أساس العمران كما يقول ابن خلدون في
مقدمته، وهذه النتيجة لا تتحقق عبثا، بل لابد من وجود سلطة قضائية مستقلة تسير وفقا
للمبدأ التاريخي الذي نادى به مونتييسكو وبالأسلوب الذي كرسته الديمقراطيات
المتقدمة.
والمغرب شأنه شأن جميع الدول المعاصرة، و منذ
حصوله على الاستقلال سعى في حراكه الملكي ثم السياسي والمجتمعي إلى ترتيب الحقل
القضائي والنهوض به في سبيل تحقيق الأمن على المستوى القانوني والقضائي وعلى
المستوى السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي.
وقد تحقق الكثير، و تعزز الأكثر بوثيقة
دستورية شهد ويشهد عليها البعيد والقريب كونها مرجعا متقدما لا يحتاج إلا لتنزيل سليم.
وبالإضافة لدستور2011 الذي ارتقى بالقضاء إلى مكانة سلطة، جاء
الميثاق الوطني لإصلاح منظومة العدالة ليستخلص
مقومات وأسس استقلالية السلطة القضائية وفق ثلاث مقتربات جوهرية:
-تحصين المجلس الأعلى للسلطة القضائية من خلال ضمان استقلاليته الاعتبارية
والإدارية والمالية وكذا ضمان تمثيلية
شاملة وفعالة في تركيبته الداخلية وضمان
تواصله مع محيطه وباقي السلط المعنية ومؤسسات الحكامة.
-ضمان استقلالية النيابة العامة عن السلطة التنفيذية وعن السلطة التشريعية
نفسها وجعلها في منأى عن كل مساءلة سياسية بمناسبة تنفيذها للسياسة الجنائية.
-تعزيز آلية التفتيش القضائي بجعلها
بين يدي السلطة القضائية لا التنفيذية.
وعليه، سوف سأقوم بدراسة هذا الموضوع من خلال
التصميم التالي:
-المطلب الأول:تحصين المجلس الأعلى للسلطة
القضائية
-الفقرة الأولى:ضمان استقلالية وتمثيلية المجلس
الأعلى للسلطة القضائية
-الفقرة الثانية: دور المجلس الأعلى
للسلطة القضائية في التعاون والتواصل مع السلطات الأخرى و مؤسسات الحكامة
-المطلب الثاني: تعزيز مظاهر استقلال السلطة القضائية
- الفقرة الأولى: استقلال
النيابة العامة
-الفقرة الثانية:استقلال المفتشية العامة للشؤون
القضائية
-المطلب الأول:تحصين المجلس الأعلى للسلطة القضائية
لا يمكن للمجلس الأعلى للسلطة القضائية أن
يقوم بالأدوار التي أنيطت به، إلا بضمان استقلاليته، وبوجود تمثيلية داخلية شاملة
وفعالة تضم كل المعنيين بالعدالة، بالإضافة إلى انفتاحه على باقي السلط وفقا
لمبدأ التعاون الذي يقضي به الدستور وكذا مؤسسات الحكامة .
- الفقرة الأولى:ضمان استقلالية وتمثيلية المجلس الأعلى للسلطة القضائية
-أولا:ضمان استقلالية المجلس الأعلى للسلطة القضائية
طبقا
لأحكام الفصل 107 من الدستور، تعتبر السلطة القضائية مستقلة عن السلطتين التشريعية
و التنفيذية، والملك هو الضامن لاستقلال السلطة القضائية، وتطبيقا لأحكام الفصول
107 و113 و116 من الدستور، يمارس المجلس الأعلى للسلطة القضائية مهامه بصفة
مستقلة.
وقد ضمن القانون رقم 100.13 المنظم للمجلس المذكور،
الاستقلال الاعتباري من خلال تخصيص مقر
للمجلس الأعلى للسلطة القضائية بالرباط، كما حفظ الاستقلال المالي بتنصيصه على رصد
ميزانية خاصة سنوية للمجلس تستخلص من الميزانية العامة للدولة.
وحسب
نفس القانون، يخضع المجلس لأجهزته الإدارية بعد سنه لنظامه الداخلي، الذي يحيله
قبل الشروع في تطبيقه إلى المحكمة الدستورية للبت
في مطابقته لأحكام الدستور وأحكام القانون التنظيمي للمجلس، وكذا أحكام القانون
التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة.
و يتولى النظام الداخلي تحديد الهياكل الإدارية
والمالية للمجلس وعددها واختصاصاتها وتنظيمها و كيفيات تسييرها.
-ثانيا: ضمان تمثلية شاملة وفعالة بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية
تطبيقا
لأحكام الفصل 115 من الدستور، نصت المادة 6 من قانون 100.13 على أنه يتألف المجلس من:
1-الرئيس
الأول لمحكمة النقض، رئيسا منتدبا؛
2-الوكيل
العام للملك لدى محكمة النقض؛
3-رئيس
الغرفة الأولى بمحكمة النقض؛
4-أربعة
ممثلين لقضاة محاكم الاستئناف، ينتخبهم هؤلاء القضاة من بينهم؛
5-ستة
ممثلين لقضاة محاكم أول درجة، ينتخبهم هؤلاء القضاة من بينهم؛
ويجب
ضمان تمثيلية النساء القاضيات من بين الأعضاء العشرة المنتخبين، بما يتناسب مع
حضورهن داخل السلك القضائي وذلك بقرار من المجلس، مع الإشارة إلى أن الميثاق أوصى بقاضية
على الأقل من بين قضاة محاكم الاستئناف وقاضيتين على الأقل بالنسبة
للقضاة المنتخبين من قبل محاكم أول درجة.
6-الوسيط؛
7-رئيس
المجلس الوطني لحقوق الإنسان؛
8-خمس
شخصيات يعينها الملك، مشهود لها بالكفاءة والتجرد والنزاهة، والعطاء المتميز في
سبيل استقلال القضاء وسيادة القانون، من بينهم عضو يقترحه الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى.
وقد
حدد القانون مدة صلاحية المجلس في خمس سنوات تبتدئ من فاتح يناير الموالي لإجراء
الانتخابات.
وهي
نفس مدة عضوية القضاة المنتخبين وهي مدة غير قابلة للتجديد، باستثناء
الشخصيات الخمس المعينين من قبل الملك الذين حصرت مدة عضويتهم في أربع سنوات قابلة
للتجديد مرة واحدة، وذلك بخلاف ما أوصى به الميثاق الذي حدد أربع سنوات للقضاة
المنتخبين وخمس سنوات للشخصيات المذكورة، على أنه يستفاد رسمية باقي الأعضاء داخل
المجلس اعتبارا بالصفة وليس الأشخاص.
والملاحظ
مما تقدم، أن المجلس يحتوي في تركيبته عشرة قضاة ينتخبون من قبل مجموع
محاكم الاستئناف والمحاكم الابتدائية للمملكة لضمان
تمثيليتهم داخل مجلسهم، وقد بينت المواد 26 إلى
48 من نفس القانون، مسطرة انتخاب القضاة داخل المجلس بتوضيح المعايير
المطلوبة في الترشيح وعملية الانتخاب.
والمستفاد، أن المجلس الأعلى للسلطة القضائية من
خلال التمثيلية المعمول بها أفقيا أو عموديا، أصبحت تمثيليته أكثر شمولية
مما كان عليه في السابق.
وللقيام
بمهام التمثيل داخل المجلس كما يجب، نص القانون على ضرورة تفرغ القضاة حيث
لا يجوز لهم الجمع بين العضوية في المجلس-بالنسبة للقضاة المنتخبين دون الرئيس
الأول لمحكمة النقض والوكيل العام للملك لديها ورئيس الغرفة الأولى بنفس المحكمة-
وبين أي ممارسة لمهام قضائية أو قانونية بإحدى المحاكم أو العضوية في مكتب مسير
لجمعية مهنية للقضاة أو جمعية مهتمة بقضايا العدالة، أو فرع من فروعهما.
كما لا
يجوز الجمع بين العضوية في المجلس، بالنسبة للشخصيات التي يعينها الملك، وبين
العضوية في الحكومة أو مجلس النواب أو مجلس المستشارين أو المحكمة الدستورية أو
المجلس الأعلى للحسابات أو المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أو كل هيئة أو
مؤسسة من المؤسسات الحكامة المنصوص عليها في الدستور،أو مهمة عامة انتخابية ذات
طابع سياسي أو نقابي، كيفما كانت طبيعتها أو شكلها.
هذا
وتأكيدا على واجبات العضوية، يجب على أعضاء المجلس، التحلي بالتجرد عن اتخاذ أي
موقف أو القيام بأي عمل علني يمكن أن ينال من تجردهم أو من استقلالية المجلس، كما
يمنع عليهم أيضا استعمال صفاتهم كأعضاء لأي غرض من الأغراض ذات الطابع الشخصي، ويلتزمون
بواجب التحفظ والكتمان فيما يخص مداولات المجلس ومقرراته، وكذا المعلومات والوثائق
التي يطلعون عليها خلال مزاولتهم لمهامهم، ويبقى هذا الالتزام ساريا ولو بعد
انتهاء مدة عضويتهم بالمجلس.
- الفقرة الثانية: دور المجلس الأعلى للسلطة القضائية في التعاون والتواصل مع السلطات الأخرى ومؤسسات الحكامة
إن
استقلال السلطة القضائية يعني باختصار فصلها عن باقي السلط، وأعني بذلك السلطتين
التشريعية والتنفيذية.
وهذا
لا يعني البتة، هدم آليات التواصل والتعاون المطلوبتين لتحقيق التوازن داخل الدولة.
في هذا الإطار، نص القانون 100.13 على إحداث هيئة
مشتركة بين المجلس والوزارة المكلفة بالعدل تتولى التنسيق في مجال الإدارة
القضائية، تعمل تحت إشراف كل من الرئيس المنتدب للمجلس والوزير المكلف بالعدل، كل
فيما يخصه، بما لا يتنافى واستقلال السلطة القضائية، ويحدد تأليف الهيئة المذكورة
واختصاصاتها بقرار مشترك للرئيس المنتدب للمجلس والوزير المكلف بالعدل، وهو
القرار الذي سينشر بالجريدة الرسمية.
علاوة
على ذلك، يمكن للوزير المكلف بالعدل حضور اجتماعات المجلس من أجل تقديم بيانات
ومعلومات تتعلق بالإدارة القضائية أو أي موضوع يتعلق بسير مرفق العدالة،
بما لا يتنافى واستقلال السلطة القضائية، وذلك بطلب من المجلس أو الوزير.
وقد
صدر قرار عن المجلس الدستوري رقم 991.16 م.د صادر في 31 مارس 2016 وهو يراقب مدى
دستورية المقتضيات التي تناولت موضوع الهيئة المشتركة بين المجلس ووزارة العدل، واعتبره مقتضى دستوري لما يوجبه
الدستور نفسه من واجب توازن السلط المكونة للدولة وتعاونها فيما بينها طبقا للفصل
الأول منه، وهو ما يفرض إقامة علاقات تنسيق بينها قصد تحقيق
غايات مشتركة، من خلال تسهيل كل سلطة لممارسة السلطة الأخرى لوظائفها خدمة للصالح
العام وأنه إذا كانت الإدارة العمومية محدثة بموجب
الفصل 89 من الدستور وتعمل تحت إشراف الحكومة فان
الإدارة القضائية تتميز عن باقي الإدارات العمومية ولا يمكن إعمال مبدأ استقلالية
السلطة القضائية دون تمكين المسؤولين القضائيين من مهام الإشراف على الإدارة
المذكورة.
أما
فيما يخص امكانية حضور وزير العدل لاجتماعات المجلس من أجل تقديم بيانات
ومعلومات تتعلق بالإدارة القضائية أو أي موضوع يتعلق بسير مرفق العدالة، بما لا
يتنافى واستقلال السلطة القضائية وذلك بطلب من المجلس أو الوزير.
فيقول
المجلس الدستوري بأن الغاية من حضور الوزير المكلف بالعدل في اجتماعات المجلس
تنحصر في تقديم بيانات ومعلومات تتعلق بالإدارة القضائية أو أي موضوع يتعلق بسير
مرفق العدالة، الأمر الذي يندرج في التعاون بين السلط خدمة للصالح العام لمرفق
القضاء، كما أنه ليس في الدستور ما يحول دون إمكان استعانة المجلس الأعلى للسلطة
القضائية بمسؤولين آخرين أو الاستماع إليهم كلما كان من شأن ذلك تسهيل مباشرة
المجلس لمهامه الدستورية، ودون المساس بممارسته للصلاحيات المخولة له، وأن حضور
الوزير المكلف بالعدل في اجتماعات المجلس الأعلى للسلطة القضائية لا يجوز أن يتم
إلا بطلب من المجلس أو بطلب من الوزير بعد موافقة المجلس، وعليه فانه هذا المقتضى
نفسه ليس فيه ما يخالف الدستور.
وفي
نفس الإطار، أكد مشروع قانون رقم 38.15 المتعلق بالتنظيم القضائي
للمملكة على أنه يقوم التنظيم القضائي على مبدأ استقلال السلطة القضائية عن السلطة
التشريعية والسلطة التنفيذية، مؤكدا في الوقت ذاته على أنه تتولى الوزارة المكلفة
بالعدل الإشراف الإداري والمالي على المحاكم بتنسيق وتعاون مع المسؤولين القضائيين
بها بما لا يتنافى واستقلال
السلطة القضائية.
ومن
صور التعاون كذلك ما نصت عليه المادة 55 من القانون التنظيمي للمجلس بأنه تؤهل
الوزارة المكلفة بالعدل والوزارة المكلفة بالمالية لاتخاذ كافة التدابير اللازمة لتنفيذ
مقررات المجلس المتعلقة بالوضعيات الإدارية والمالية للقضاة بتعاون مع المصالح
المختصة بالمجلس.
وبالرجوع
لنفس قرار المجلس الدستوري نجده يؤكد على أنه:
إذا
كان للمجلس الأعلى للسلطة القضائية صلاحية السهر على تطبيق الضمانات الممنوحة
للقضاة، ولا سيما فيما يخص استقلالهم وتعيينهم وترقيتهم وتقاعدهم وتأديبهم، فإنه
ليس في هذا و ولا في باقي أحكام الدستور ما يحول دون تأهيل وزارة العدل ووزارة
المالية لاتخاذ التدابير اللازمة لتنفيذ مقررات المجلس المتعلقة بالوضعيات
الإدارية والمالية للقضاة، طالما أن ذلك يتم بتعاون مع المصالح المختصة للمجلس
ويقتصر على تنفيذ مقررات هذا الأخير، وهو ما يعد إعمالا لمبدأ التعاون بين السلط
المقرر في الفقرة الثانية من الفصل الأول من الدستور.
وبالإضافة
إلى التعاون المستخلص بين المجلس ووزارة العدل ووزارة المالية نص القانون التنظيمي
للمجلس كذلك بأنه يعين قضاة الاتصال بقرار مشترك للرئيس المنتدب للمجلس والوزير
المكلف بالعدل والوزير المكلف بالشؤون الخارجية والتعاون، بعد استيفاء مسطرة
الانتقاء التي تتولاها الوزارة المكلفة بالعدل.
كما
ينص نفس القانون على أنه يمكن للمجلس أن يقيم، في مجال اختصاصه، علاقات تعاون
وشراكة مع المؤسسات الأجنبية المماثلة وكذا الهيئات الأجنبية المهتمة بقضايا
العدالة من أجل تبادل المعارف والتجارب ونقل الخبرات، وذلك بالتنسيق مع السلطة
الحكومية المكلفة بالشؤون الخارجية والتعاون وإشعار الوزارة المكلفة بالعدل
بذلك.
-المطلب الثاني: تعزيز مظاهر استقلال السلطة القضائية
استقلال المفتشية العامة للشؤون القضائية هو امتداد
لاستقلالية المجلس نفسه، كما أن مراجعة مبدأ التسلسل الإداري الذي كان يحكم جهاز
النيابة العامة والذي كان يربطها مباشرة بوزير العدل، دعامة أساسية لتنفيذ السياسة
الجنائية للدولة وفقا للأدوات التي تحكم منطق ضمان استقلالية السلطة القضائية.
- الفقرة الأولى: استقلال النيابة العامة
لقد
شكل موضوع استقلال النيابة العامة عن السلطة التنفيذية محل نقاش مستفيض بين مؤيد
ومعارض، وان كانت التوصية 37 من الميثاق الوطني لإصلاح
منظومة العدالة حسمت الجدل بخضوعها لرئاسة الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض،
وهذا ما أكده القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، عندما صرح بأنه
يوضع قضاة النيابة العامة تحت سلطة ومراقبة الوكيل العام للملك لدى
محكمة النقض و رؤسائهم التسلسليين، ويجب عليهم تطبيق القانون،
كما يتعين عليهم الالتزام بالتعليمات الكتابية القانونية، كما يلتزمون
بالامتثال للأوامر والملاحظات القانونية
الصادرة عن رؤسائهم التسلسليين.
وكما
هو معلوم، يبقى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيسا للنيابة العامة و
المسؤول عن سيرها وكذا تنفيذ السياسة الجنائية، ويعد تقريرا يتلقاه المجلس الأعلى
للسلطة القضائية قبل عرضه ومناقشته أمام اللجنتين المكلفتين بالتشريع بمجلسي
البرلمان ، غير أنه احتراما لمبدأ استقلال السلطة القضائية لا يمكن مساءلة
الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بنفس الكيفية وبذات الأدوات التي يتم بها في
مجالات أخرى، وذلك نظرا لطبيعة
السلطة القضائية واستقلالها وآليات اشتغالها والسبل المقررة لتصحيح أخطاء أعضائها.
وعليه، فرئيس النيابة العامة يكون مسؤولا
أمام السلطة التي عينته، والمتمثلة في رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وكذا
أمام هذا المجلس الذي يتعين عليه أن يقدم له تقارير دورية بشأن تنفيذ السياسة
الجنائية وسير النيابة العامة، أما المشرع
باعتباره المختص بوضع السياسة الجنائية، يحق له تتبع كيفيات تنفيذ هذه السياسة قصد
تعديل المقتضيات المتعلقة بها وتطويرها إذا اقتضى الأمر ذلك.
ومجموع هذه الملاحظات، هي التي خلص إليها المجلس
الدستوري وهو يراقب مدى دستورية المقتضى الخاص بمسؤولية الوكيل العام للملك الذي لا
يشترط عليه عرض تقاريره المتعلقة بتنفيذ السياسة الجنائية وسير النيابة العامة ولا
حضوره لدى مناقشتها أمام اللجنتين المكلفتين بالتشريع بمجلسي البرلمان، فليس فيها
ما يخالف الدستور.
كما أن التقارير الصادرة عن المجلس الأعلى
للسلطة القضائية حول وضعية القضاء ومنظومة العدالة، المنصوص عليها في الفصل 113من
الدستور، بما في ذلك تقارير الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، بصفته رئيسا
للنيابة العامة، بشأن تنفيذ السياسة الجنائية وسير النيابة العامة، تعد
تقارير تهم الشأن العام القضائي التي يجوز للجميع، لا سيما البرلمان، تدارسها
والأخذ بما قد يرد فيها من توصيات، مع مراعاة مبدأ فصل السلط والاحترام الواجب
للسلطة القضائية المستقلة.
- الفقرة الثانية:استقلال المفتشية العامة للشؤون القضائية
ينص القانون رقم 100.13 على أنه يتوفر
المجلس على مفتشية عامة للشؤون القضائية يحدد القانون تأليفها واختصاصاتها
وقواعد تنظيمها وحقوق وواجبات أعضائها.
يشرف
على المفتشية العامة للشؤون القضائية مفتش عام يعين بظهير من بين ثلاثة قضاة من
الدرجة الاستثنائية، باقتراح من الرئيس المنتدب للمجلس، بعد استشارة أعضاء
المجلس، لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، غير أنه يمكن وضع حد
لهذا التعيين قبل ذلك.
فالمفتشية
العامة للشؤون القضائية لم تعد تابعة لوزارة العدل وزيرها، بل أصبحت بموجب القانون
التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، تابعة لهذا الأخير الذي علق عملها على
صدور قانون يحدد إطارها التنظيمي واختصاصاتها التي ستروم الى التحري والتحقق
والمراقبة وتقييم سير المحاكم وأساليب أدائها وتوحيد مناهج العمل بها والكشف عن
الاخلالات المهنية بهدف تقويهما، ووضع الإجراءات الكفيلة بالرفع من الإنتاجية
وانجاز التقارير ورفعها للمجلس للتداول في شأنها، هذا بالإضافة إلى تمكين وتسهيل عمل المسؤولين القضائيين من آليات التفتيش
المحلي وكذا تمكين المتقاضين من آليات للتظلم.
ويناقش
الآن مشروع قانون رقم 38.15 يتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة والذي ميز مابين التفتيش
القضائي الذي سيباشر من قبل المفتشية العامة محل الحديث في هذا المقام، وكذا
المباشر من قبل الرؤساء الأولون لمحاكم ثاني درجة والوكلاء العامون لديها بالنسبة
للمحاكم التابعة لدائرة نفوذهم، ثم التفتيش الإداري والمالي للمحاكم الذي سيخضع
لتفتيش تعمل به الوزارة الوصية، عبر مفتشية إدارية تابعة لها.
هذا
كله بالإضافة إلى الإشراف القضائي أو السلطة -بحسب الأحوال- التي يباشرها المسؤول
القضائي على جميع العاملين بمحكمته وكذا المحاكم التابعة له.