الدكتور : رضا الفلاح
استاذ القانون العام بجامعة ابن زهر
أولا، من منظور القانون الدولي و احترام الشرعية الدولية، يمكن اعتبار الانسحاب من المنطقة العازلة للكركرات بمثابة دليل على عزم المغرب القوي على مواصلة دعم مسار التسوية الأممي. و في هذا الإطار يمكن فهم المباحثات الهاتفية التي أجراها ملك البلاد مع الأمين العام للمنظمة الأممية، و البلاغ الصادر عن هذا الأخير و ما يتضمنه من تأكيد واضح على ضرورة احترام اتفاقية 1991 و بالتالي وقف الاستفزازات من قبل الجبهة الانفصالية. و يدل هذا التطور على عودة الأمانة العامة للأمم المتحدة لمقاربة محايدة و فتح صفحة جديدة في تعاطيها مع النزاع المفتعل، و ذلك بعد شهرين من تولي السيد أنطونيو غيوتيريس منصب الأمين العام للمنظمة الأممية.
من المنظور الجيو سياسي، تجري أزمة الكركرات في سياق مضطرب و مفتوح على كل المخاطر الأمنية، خاصة مع بروز مؤشرات تدل على تراجع اهتمام القوى الكبرى في الوقت الراهن بالمنطقة، و في نفس الوقت، سيكون من المجدي التعويض عن هذا الفراغ الجيوسياسي و ملءه بإقامة سياسة دفاع مشتركة مع الدول المنتمية لمجموعة غرب افريقيا، و هو ما من شأنه تعطيل كل أوراق الجزائر الملغومة للضغط على دول المنطقة على المستوى الأمني.
و من منظور جيو اقتصادي، من المنتظر في ظل هذه المستجدات أن تحاول الجزائر توظيف البوليساريو للتشويش على دينامية الشراكات المهمة بين المغرب و عدد من الدول الافريقية الوازنة في شرق القارة و غربها. ينبغي الإشارة كذلك إلى أن هذا الانسحاب الأحادي يضع البوليساريو في موقع يعرضه للإدانة و استعمال القوة المشروعة ضده نظرا للتهديد الذي يمثله بالنسبة للطريق التجارية الدولية الرابطة بين المغرب و موريتانيا.
من المؤكد أن القرار الأخير للمغرب سحب قواته من المنطقة العازلة فاجئ جبهة البوليساريو و من يحركها من خلف الستار إذ تجد نفسها في تهميش متزايد سواءا على الصعيدين السياسي و الدبلوماسي، أو على مستوى الشرعية القانونية الدولية.
أما في لغة الجيواستراتيجية، يحمل انسحاب القوات المغربية من المنطقة العازلة للكركرات دلالتان، أولاهما احتمال التأثير السلبي على مصالح المغرب الحيوية لكونه يمس الطريق التجارية التي تصل المغرب بعمقه الافريقي، و قد يستغل هذا التنظيم الانسحاب المغربي الاحادي لمحاولة فرض أمر واقع و ادعاء أن منطقة الكركرات "أرضا محررة"، و التمادي في سياسة الهروب إلى الأمام في ظل التصدع الداخلي للجبهة و تآكل الدعم الذي تتلقاه من الخارج. الدلالة الثانية توحي بأن الانسحاب ينطوي على تكتيك يرمي للاستفادة من أخطاء قاتلة قد ترتكبها الجبهة بتحريض من الاستخبارات العسكرية الجزائرية، من قبيل القيام بأنشطة إرهابية أو تهديد سلامة التجارة الدولية. نهج المغرب لهذا التكتيك يبدو منسجما مع توفر المغرب على عمق جغرافي يسمح له مستقبلا بترتيب رد عسكري مهيء له و ناجع تحت غطاء القانون الدولي و الشرعية الدولية.