محمد حلمناش
النجاعة القضائية
من بين الأهداف الرئيسية التي نادى بها الميثاق الوطني
لإصلاح منظومة العدالة تحقيق النجاعة القضائية.
إن سؤال تحقيق النجاعة القضائية بالمغرب، جاء تكريسا
للإصلاحات العميقة التي أرادها الحراك الملكي ثم السياسي والمجتمعي الذي ترجم في
الوثيقة الدستورية لسنة 2011.
وباختصار شديد، يراد بالنجاعة، ضرورة ضمان الفعالية والمردودية في
الأداء، سواء على المستوى القضائي أو الإداري من أجل الوصول إلى حكم أو قرار أو أمر
قضائي يصون الحقوق المالية والأسرية ويحمي الحقوق الطبيعية، وذلك داخل أجل أو عمر
افتراضي معين، وضمان آليات تنفيذ هذا المقرر لعدم كفاية القول بالحق وإنما الغاية
بتنفيذه.
غير أن تحقيق هذه النتيجة أصبح مقرونا بضرورة تطوير التنظيم القضائي للمملكة وعقلنة الخريطة القضائية بما يتجاوب وروح دستور 2011 والميثاق الوطني لإصلاح منظومة العدالة، ثم دعم العمل أو الأداء القضائي إما بنص القانون أو بتسطيرالبرامج العملية لتسهيل الولوج الى القانون والعدالة.
وعليه، سأقوم بمناقشة هذا الموضوع من خلال التصميم
التالي:
- المطلب الأول:تطوير التنظيم القضائي وعقلنة الخريطة
القضائية
- الفقرة الأولى: تطوير
التنظيم القضائي
- الفقرة الثانية: عقلنة الخريطة القضائية
-المطلب الثاني: دعم الأداء القضائي وتسهيل الولوج إلى
القانون والعدالة
- الفقرة الأولى: دعم
الأداء القضائي
- الفقرة الثانية: تسهيل الولوج إلى القانون والعدالة
المطلب الأول: تطوير التنظيم القضائي وعقلنةالخريطة القضائية
الفقرة الأولى: تطوير التنظيم القضائي
الملاحظ أنه نتيجة التعديلات المتتالية التي أدخلت على
التنظيم القضائي للمملكة، بدءا بإحداث المحاكم الإدارية سنة 1993 ثم المحاكم التجارية ومحاكم
الاستئناف التجارية سنة 1995 ومحاكم الاستئناف الإدارية سنة 2006 ثم استبدال محاكم
الجماعات والمقاطعات بقضاء القرب سنة 2011 وما ترتب عن ذلك من تغييرات جوهرية سواء على مستوى
الاختصاص المحلي أو النوعي أو على مستوى المسطرة المعمول بها أو تشكيلة المحاكم،
كلها عوامل أثرت بشكل أو بآخر في سير النظام القضائي، مما أصبح معه التفكير
مشروعا في إعادة تطوير التنظيم القضائي للمملكة بالشكل الذي يضمن أداءه بعد مراجعة
أسسه ومبادئه.
لقد نادى الميثاق الوطني لإصلاح منظومة
العدالة باستقلالية السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية وبضرورة
إرساء التنظيم القضائي على مبدأ الوحدة باعتبار محكمة النقض قمة القضاء في المملكة،
ثم على أساس مبدأ التخصص بالشكل الذي يؤطر فعالية وأداء الاختصاص النوعي
للمحاكم ويخدم الخريطة القضائية بعد النص
على إحداث أقسام متخصصة بالمحاكم الابتدائية العادية وغرف استئنافية متخصصة بمحاكم
الاستئناف العادية، وذلك كله إلى جانب المحاكم المتخصصة في المادة الإدارية
والتجارية، وهذا ماعبر عنه القسم الثاني من مشروع قانون 38.15 المتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة،
وكذا مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية التي أدمجت المقتضيات المتعلقة بالمحاكم
التجارية والمحاكم الإدارية وأقسام قضاة القرب في مسودة المشروع.
الفقرة الثانية: عقلنة الخريطة القضائية
إن التضخم الذي أصبحت تشهده محاكم المملكة اليوم بما
فيها مراكز القضاة المقيمين، وانتشار هذه النقط القضائية بشكل لا يعبر عن احتياجات
المتقاضين بفعل التغيير الملموس الذي شهدته البلاد على مستوى النمو الديموغرافي والاجتماعي
والاقتصادي والإداري.
من هذا المنطلق، جاءت الدعوة إلى ضرورة إرساء الخريطة
القضائية على معايير موضوعية تراعي حجم القضايا والاعتبارات الديموغرافية
والجغرافية والاجتماعية والمعطيات الاقتصادية والمالية، وكذا التقسيم الإداري
للمملكة عند الاقتضاء.
إذ يجب مراعاة حجم المنازعات الإدارية عند توزيع المحاكم
الإدارية والأقطاب التجارية والصناعية الكبرى عند ترتيب المحاكم التجارية،وإحداث
أقسام متخصصة داخل بعض المحاكم الابتدائية مع اعتبار هذه الأخيرة في مجموعها صاحبة
الولاية العامة للبت في كل القضايا التي لم تسند لجهة قضائية معينة.
وهذا ما ذهب إليه مشروع قانون التنظيم القضائي المذكور،
والذي أسند توزيع جميع المحاكم لمرسوم بعد استطلاع رأي المجلس الأعلى للسلطة
القضائية والهيئات المهنية المعنية، بالإضافة إلى إمكانية إحداث غرف ملحقة بمحاكم
ثاني درجة داخل دائرة نفوذها بمرسوم وبعد استطلاع رأي المؤسسات المبينة، كما يمكن
للمحاكم عقد جلسات تنقلية ضمن دوائر اختصاصها المحلي.
لقد تمت مراجعة وضعية مراكز القضاة المقيمين بعد دراسة مستفيضة
خلصت إلى التمييز بين القرارات التالية:
1-قرار بترقية مراكز للقضاة المقيمين إلى محاكم ابتدائية :
يبلغ عددها 7 مراكز، بعد مراعاة أهمية النشاط
القضائي لها والتقسيم الترابي للمملكة.
2-قرار بتفعيل مراكز للقضاة المقيمين غير مفعلة :
يبلغ عددها 11 مركز.
3-قرار بالاستمرار في تفعيل مجموعة من مراكز القضاة المقيمين
يبلغ عددها 65 مركز.
4-قرار بحذف مجموعة من مراكز القضاة المقيمين
حيث حذف 94 مركز آخر،كان من بينها 45 مركز قاضي مقيم غير
مفعل.
وتجدر الإشارة إلى أنه، تم اتخاذ عدة معايير عند اتخاذ
القرارات الأخيرة، كمراعاة حجم القضايا والتقسيم الإداري للدائرة الترابية
والمسافة الفاصلة بين المركز والمحكمة والجماعة التابعة له ووسائل النقل وحالة
ووضعية المركز نفسه بالإضافة إلى الموارد البشرية.
كما تم مراسلة المسؤولين القضائيين من أجل إبداء وجهة
نظرهم في القرارات الأولية المتخذة بشأن المراكز التابعة لدائرة نفوذهم.
المطلب الثاني: دعم الأداء القضائي وتسهيل الولوج إلى القانون والعدالة
الفقرة الأولى: دعم الأداء القضائي
- على مستوى العدالة الإجرائية
تم مناقشة العديد من توصيات الميثاق بمسودة مشروع ق م م،
حيث عمل هذا الأخير على جمع شتات مجموعة من النصوص الخاصة كقانون قضاء القرب
وقانون المحاكم التجارية ومحاكم الاستئناف التجارية ثم قانوني إحداث المحاكم
الإدارية ومحاكم الاستئناف الإدارية.
كما تم النص على إحداث مؤسسة قاضي التنفيذ الذي سيلعب
دورا كبيرا في تبسيط مساطر التنفيذ وإصدار الأوامر المتعلقة به، والبت في صعوبات
التنفيذ الوقتية ومنح الآجال الاسترحامية.
ومن جملة ما نصت عليه المسودة كذلك، تبسيط إجراءات
التقاضي وسير الدعوى أمام المحاكم، واعتماد آلية الإدارة الالكترونية لتسريع
الإجراءات والمساطر القضائية.
في نفس الإطار، تم ترحيل المقتضيات الخاصة بالتحكيم من ق
م م إلى مسودة مشروع قانون التحكيم والوساطة الاتفاقية والوساطة الإجبارية،
باعتبار هذه المؤسسة وسيلة لفض النزاعات وتخفيف العبء على المحاكم.
واحتراما للانتقادات الموضوعية التي وجهت لقضاء القرب في
مسألة المجانية، تم استثناء الأشخاص المعنوية من الإعفاء من أداء الرسوم القضائية
أمام أقسام قضاء القرب وإبقاء إمكانية الاستفادة منها حكرا على الأشخاص الطبيعيين
بعد تعديل المادة 6 من قانون 10-42.
وتكريسا لدور القضاء في تحقيق الأمن الاقتصادي وتوفير
المناخ الملائم للاستثمار وتحريك عجلة الاقتصاد، تم توجيه العناية لتعديل الكتاب
الخامس من مدونة التجارة في سبيل تعديل مسطرة صعوبات المقاولة من خلال اعتماد
وتعزيز آلية الرقابة القبلية، وإعطاء دور لرئيس المقاولة، والتنصيص على مسطرة
الإنقاذ كمسطرة جديدة، وإعطاء إمكانية تحريك ماتقدم من قبل التاجر سواء كان شخصا
طبيعيا أو معنويا باستثناء الحرفيين.
على مستوى تتبع وتقييم نشاط المحاكم
يروم هذا الموضوع، إلى تصنيف نشاط المحاكم وفق معايير
محددة، من أجل وضع لوحة قيادة بشأن أداءالمحاكم وطنيا، تمكن من تحديد الأولويات في
مجال دعم المحاكم التي تعاني من صعوبات في تصريف الأشغال والقضايا سواء في الجانب
الإداري – مثاله محكمة الناظور-أو في الجانب القضائي – مثاله فتح باب الانتداب
التطوعي بمحكمة العرائش-
ان عملية تتبع وتقييم نشاط المحاكم يعطي فكرة واقعية عن
قدرة مجموع محاكم المملكة في مواجهة القضايا المسجلة وتصريفها وتمكينها من وقف
تراكم القضايا وتصفية المخلف عن السنوات الفارطة.
لقد حققت وزارة العدل والحريات انجازات، تمكن من استقراء
وضعية نشاط مختلف المحاكم، بما يساعد على بلورة إستراتيجية واضحة لتقييم أدائها
وذلك من خلال:
-إعداد نشرات إحصائية.
-إعداد الدراسات المتعلقة
بتنافسية المحاكم في باب النجاعة.
-المشاركة في اللجان المتخصصة في تنزيل توصيات الميثاق.
على مستوى تنفيذ الأحكام القضائية
لقد وجدت الأحكام القضائية لكي تنفذ وذلك لعدم كفاية
القول بالحق، بل يجب تمكين صاحبه منه، وقد عملت الوزارة على اتخاذجملة من
الإجراءات والتدابير لتجاوز الإشكالات العالقة حول موضوع تنفيذ الأحكام.
التنفيذ ضد شركات
التأمين:
عقدت العديد من الاجتماعات التنسيقية مع مختلف شركات
التأمين المنضوية تحت لواء الجامعة المغربية لشركات التامين وإعادة التامين، كما
وجهت العديد من المراسلات لمختلف المحاكم لتحديد الإشكالات المطروحة على مستوى
تنفيذ الأحكام في مواجهة شركات التامين، وبعد جمع الأجوبةيتم تفريغها في جدول مفصل
لحصر طبيعة الإشكالات، ثم توجيه كتب مرفقة إلى كل المعنيين بالأمر بدءا بالمدير
العام للجامعة المذكورة ووزير الاقتصاد والمالية مرورا برئيس المحكمة الابتدائية
المدنية بالدار البيضاء ورئيس المحكمة الابتدائية الاجتماعية بنفس المدينة وأخيرا
رئيس المحكمة
الابتدائية بالرباط.
التنفيذ ضد أشخاص
القانون العام:
بنفس المنهجية قامت الوزارة بعقد اجتماعات تنسيقية مع
مختلف الوزارات المعنية بتنفيذ الأحكام الصادرة في مواجهتها، وتحيين لوائحملفات
التنفيذ غير المنفذة، وتهييئ كتب بغرض عقد اجتماعات، ثم انجاز تقارير بخصوصها.
التنفيذ ضد أشخاص الطبيعيين:
عملت الوزارة على تهييئ نشرات إحصائية سنوية لتنفيذ
الأحكام القضائية المدنية، وتنظيم حملات للقضاء على المخلف من ملفات التنفيذ، وإعدادإحصائيات
حول نشاط أقسام قضاء الأسرة تمكن وضع تصور حول عملية النهوض بهذه الأقسام، ثم
انجاز دراسة تحليلية وتقرير تركيبي لهذه التعبئة.
الفقرة الثانية: تسهيل الولوج إلى القانون والعدالة
لتسهيل عملية الولوج إلى القانون أوصى الميثاق بضرورة تعميم
المعلومة القانونية وتطوير نظام المساعدة القانونية المجانية.
في حين تروم عملية تسهيل الولوج إلى العدالة، تطوير نظام المساعدة
القضائية و تحسين ظروف استقبال المتقاضين بالمحاكم، اعتبارا بضرورة التواصل بلغة
مفهومة، لاسيما تفعيل اللغة الأمازيغية واللهجة
الحسانية وفقا لما ينص عليه الدستور نفسه، و تقوية القدرة التواصلية للمحاكم مع
المواطنات والمواطنين، وتيسير تواصل الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة مع المحاكم،
وكذا تحديد آلية التواصل بين المحاكم ووسائل الإعلام، بما يساهم في تفعيل مبدأ
الحق في المعلومة وإرساءإعلام قضائي متخصص، وهو الأمر الذي قاربه مشروع قانون
التنظيم القضائي عندما نص على اعتبار رئيس المحكمة ونائبه ناطقين رسميين للمحكمة.
والجدير بالذكر، أنه تحقيقا لنجاعة الأداء القضائي ولرفع
مستوى الإطار المؤسساتي لمنظومة العدالة ولتحسين جودة أساليب العمل والتحديث،
انخرطت وزارة العدل والحريات في مجموعة من برامج التعاون الدولي بهدف توفير الدعم
المالي والتقني اللازمين لتحيق النجاعة والفعالية المطلوبتين:
البرنامج الأول: برنامج التعاون الدولي مع الاتحاد
الأوروبي
ويلخص هذا البرنامج، عملية الدعم المالي المقدم من طرف
الاتحاد الأوروبي بقيمة 60 مليون أورو كدعم أساسي و10 مليون
أورو كدعم تكميلي، وذلك لتحقيق الأهداف التالية:
-تحقيق هدف الولوج إلى القضاء والعدالة.
-تعزيز الحماية القضائية للحقوق والحريات.
-تعزيز نجاعة العدالة وفعاليتها.
البرنامج الثاني: مشروع تعزيز أداء المحاكم في خدمة
المواطن – محكمتي –
انخرطت وزارة العدل والحريات في مشروع لتعزيز أداء
المحاكم خدمة للمواطن وبتعاون مع البنك الدولي، في إطار اتفاق قرض استثمار مع
الحكومة المغربية، وذلك طيلة المدة الممتدة بين 21-03-2013 إلى 31-12-2016،
بالنسبة ل 12 محكمة امتدت في حدود الدوائر القضائية للدار البيضاء والقنيطرة وسطات.
ومن أجل ضمان تسيير المشروع والإشراف عليه، تم إحداث
مؤسستين وفق قرارين لوزير العدل والحريات، ويتعلق الأمر ب:
- لجنة التتبع التقني للمشروع:
يرأسها الكاتب العام، وتضم السادة المدراء بالإدارة
المركزية، والسادة المسؤولن القضائيون والسادة المدراء الفرعيون للدوائر القضائية
المعنية.
حيث تتولى هذه اللجنة بالأساس عند اجتماعها كل ثلاثة أشهر
أو بناء على طلب من قبل رئيسها، بالمصادقة على الأعمال المعدة من قبل وحدة تدبير
المشروع.
- وحدة تدبير المشروع:
تتكون من رئيس وممثلين عن مديريات الإدارة المركزية، وكذا
ثلاثة خبراء خارجيين، تحت الإشراف المباشر للكاتب العام للوزارة.
تشكل هذه الوحدة الواجهة بين وزارة العدل والحريات
والبنك الدولي.
البرنامج الثالث: برنامج عدل2
تم عقده مع الوكالة الاسبانية للتعاون الدولي والتنمية،
وهو البرنامج الذي امتد لمدة 3 سنوات ابتداء من 2012، ويروم هذا البرنامج
إلى تقريب القضاء من المتقاضين.
البرنامج الرابع:
التعاون مع هيئات الأمم المتحدة المعنية بالمرأة والطفل
امتد من سنة 2012 إلى حدود نهاية هذه السنة، وهو
عبارة عن برنامج تعاون مع الهيئات التالية:
وقد حققت الوزارة نتائج مهمة خاصة فيما يتعلق بدعم خلايا
النساء ولأطفال ضحايا العنف، ودعم أقسام قضاء الأسرة.
البرنامج الخامس:
التعاون مع اللجنة الأوروبيةلفعاليةالعدالة
يأتي هذا البرنامج في سياق التعاون المشترك بين الاتحاد
الأوروبي ومجلس أوروبا حول تقوية الإصلاح الديمقراطي في بلدان الجوار الجنوبي -المغرب،
تونس، والأردن-خاصة في الشق المتعلق بتقوية استقلالونجاعة النظام القضائي.
ولقد امتد لمدة 3 سنوات منذ يناير 2012، إذ من خلاله تمت
مراقبة عمل محاكم المملكة – ابتدائية البيضاء، ابتدائية سيدي قاسم، إدارية أكادير-من
قبل اللجنة الأوروبية، في انتظار تعميم آليات هذا البرنامج على مختلف المحاكم في
برنامج ثان لحدود سنة 2017
الأقسام:
مقالات