بقلم نورالدين مصلوحي
عدل متمرن
وباحث بماستر القانون والممارسة القضائية بالرباط
تعد مهنة المحاماة من المهن ذات الارتباط الوثيق بكل منظومة قضائية، فهي جزء لا يتجزأ من هذه المنظومة، وذلك راجع إلى المهام الجسام المنوطة بها، ومن هذه المهام المرافعة والتصرف بالنيابة عن المتقاضين، والانخراط في ممارسة القانون والمثول أمام المحاكم وإسداء المشورة. وإذ تعد المحاماة كما ذكر، فإن الأصل في ممتهني هذه المهنة أن يتحلوا بمجموعة من الواجبات لاسيما ذات الصلة بحقوق المتقاضين،والتي نجد لها أصلا في المعايير الدولية (المطلب الأول) وكذا في قانون المحاماة المغربي (المطلب الثاني).
المطلب الأول: واجبات المحامين على ضوء المعايير الدولية
تتعدد واجبات المحامين التي لها صلة بحقوق المتقاضين، وحسبنا ههنا التعرض إلى أهم هذه الواجبات:
أولا: وضع مدونات سلوك متضمنة لواجبات وأخلاقيات المحامين
إذا كان المحامون هم أعضاء هيئات ونقابات المحامين، فإنهم أدرى بشؤون مهنتهم وممتهنيها، ولذلك فهم الأحق بوضع مدونات سلوك للمهنة، فقد جاء في المبدأ الثالث من مبادئ توصية مجلس أوربا الصادرة عن لجنة الوزراء المقدمة إلى الدول الأعضاء رقم 21 لسنة 2000 بشأن حرية ممارسة مهنة المحاماة، أنه يتعين على نقابة المحامين والرابطات المهنية الأخرى ذات الصلة، وضع معايير للمهنة ومدونات للسلوك المهني تؤكد من خلالها على واجب المحامين للعمل بجد وباستقلالية ونزاهة في الدفاع عن حقوق ومصالح موكليهم القانونية.
ثانيا: التقيد بحقوق الإنسان وفق القانون الدولي والوطني وأخلاقيات المهنة
أكدت المبادئ الأساسية والتوجيهية بشأن الحق في المحاكمة العادلة، والمساعدة القانونية في إفريقيا، على أن المحامون يسعون لدى حماية حقوق موكليهم وإعلان شأن العدالة، إلى التمسك بحقوق الإنسان والحريات الأساسية التي يعترف بها القانون الوطني والقانون الدولي، وتكون تصرفاتهم في جميع الأحوال حرة، ومتيقظة، ومتماشية مع القانون والمعايير المعترف بها وأخلاقيات مهنة المحاماة.
ثالثا: عدم التحامل أو التحيز غير المبني على أسس قانونية
لقد أكدت على هذا الواجب مبادئ بانجلور لسلوك القضائي، وألزمت القاضي أن يطالب المحامين في الدعاوى القضائية المنظورة أمام المحكمة أن يمتنعوا عن التعبير، سواء بالكلمات أو بالسلوك، عن التحيز والتحامل المبني على أسباب غير ذات صلة، باستثناء ما له صلة قانونية بأمر في الدعوىالقضائية قد يكون موضوع دفاع مشروع.
المطلب الثاني: واجبات المحامين وفقا لقانون المحاماة المغربي
يؤطر مهنة المحاماة في المغرب القانون رقم 28.08، ويحوي هذا القانون مجموعة من الواجبات المفروضة على المحامين والتي لها صلة وثيقة بحقوق المتقاضين. ولسوف نحاول التعرض لهذه الواجبات بشيء من الايجاز المفيد.
أولا: عدم إفشاء السر المهني
يقصد بإفشاء السر المهني كل أمر يضر بسمعة الشخص وكرامته واعتبره البعض من الفقه أنه كل ما يعرفه الأمين أثناء أو بمناسبة ممارسته عمله، ويؤدي إفشاؤه إلى حدوث ضرر بشخص أو بعائلة، إما بالنظر إلى طبيعة السر المهني، أو بالنظر إلى الظروف التي تحيط به.
وحسب المادة 36 من قانون المحاماة، لا يجوز للمحامي أن يفشي أي شيء يمس بالسر المهني في أي قضية.
ويتعين على المحامي، بصفة خاصة، أن يحترم سرية التحقيق في القضايا الزجرية، وألا يبلغ أي معلومات مستخرجة من الملفات، أو ينشر أي مستندات أو وثائق أو مراسلات، لها علاقة ببحث مازال جاريا.
وواجب عدم إفشاء السر المهني أدرجه المشرع ضمن الواجبات التي يقسم المحامي على احترامها قبل تقييده في لائحة التمرين وقبل ممارسته للمهنة، وذلك بموجب المادة 12 من قانون المحاماة.
والإخلال بواجب السر المهني يعد مخالفة مهنية، ويعاقب عنه بموجب القانون الجنائي، فقد جاء في الفصل 446 من هذا القانون ما يلي: “الأطباء والجراحون وملاحظو الصحة، وكذلك الصيادلة والمولدات وكل شخص يعتبر من الأمناء على الأسرار، بحكم مهنته أو وظيفته، الدائمة أو المؤقتة، إذا أفشى سرا أودع لديه، وذلك في غير الأحوال التي يجيز له فيها القانون أو يوجب عليه فيها التبليغ عنه، يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وغرامة من ألف ومائتين إلى عشرين ألف درهم.
غير أن الأشخاص المذكورين أعلاه (ومنهم المحامي بطبيعة الحال) لا يعاقبون بالعقوبات المقررة في الفقرة السابقة:
- 1-إذا بلغوا عن إجهاض، علموا به بمناسبة ممارستهم مهنتهم أو وظيفتهم، وإن كانوا غير ملزمين بهذا التبليغ.
- 2إذا بلغوا السلطات القضائية أو الإدارية المختصة عن ارتكاب أفعال إجرامية أو سوء المعاملة أو الحرمان في حق أطفال دون الثامنة عشرة أو من طرف أحد الزوجين في حق الزوج الآخر أو في حق امرأة،علموا بها بمناسبة ممارستهم مهنتهم أو وظيفتهم.
وإذا استدعي الأشخاص المذكورون للشهادة أمام القضاء في قضية متعلقة بالجرائم المشار إليها في الفقرة أعلاه، فإنهم يكونون ملزمين بالإدلاء بشهاداتهم، ويجوز لهم، عند الاقتضاء، الإدلاء بها كتابة.
ثانيا: تقديم المساعدة القضائية والقانونية تحت طائلة المساءلة التأديبية
المساعدة القضائية نظام قانوني يمكن المتقاضي المعسر من اللجوء إلى القضاء، بإعفائه مؤقتا من الرسوم القضائية، لتسهيل ضمان الوصول إلى الحق المتنازع بشأنه، متى توفرت فيه شروط معينة تمنحه حق الاستفادة منها.
هذا، وبناء على المادة 40 من قانون المحاماة، فإنه بسلوك المتقاضي المعسر للإجراءات القانونية للحصول على المساعدة القضائية، يعين النقيب لهذا المتقاضي محاميا مسجلا في الجدول، أو مقيدا في لائحة التمرين ليقوم لفائدته بكل الإجراءات التي تدخل في توكيل الخصام. ولا يجوز للمحامي المعين أن يمتنع عن تقديم مساعدته ما لم يتم قبول الأعذار أو الموانع التي تحول بينه وبين ذلك. وتجرى المتابعة التأديبية ضد المحامي في حالة إصراره على الامتناع، رغم عدم الموافقة على أعذاره أو موانعه، وكذا في حالة أي تقصير في القيام بواجبه.
وبالرجوع إلى مسودة تعديل قانون المحاماة المغربي، فإنه يلاحظ أن المادة 40 أصبحت كالتالي: “يعين النقيب لكل متقاض، يتمتع بالمساعدة القضائية أو القانونية بناء على طلب أو بحكم القانونمحاميا مسجلا في الجدول، أو مقيدا في لائحة التمرين ليقوم لفائدته بكل الإجراءات الواجبة.
ثالثا: النصح والتوجيه القانوني للموكلين
إذا كان من واجب المحامي بذل عناية وليس تحقيق نتيجة، فإن العناية هذه لا يمكن أن يتجلى أثرها إلا في النصح والتوجيه الذي يقع على عاتق المحامي بذله لموكليه، ومن مظاهر هذا النصح والتوجيه ما نصت عليه المادة 43 من قانون المحاماة منضرورة حث المحامي موكله، على فض النزاع، عن طريق الصلح، أو بواسطة الطرق البديلة الأخرى، قبل اللجوء إلى القضاء، وكذا قيامه بجميع الوسائل الممكنة بإخبار موكله بمراحل سير الدعوى، وما يتم فيها من إجراءات، إلى غاية التبليغ والتنفيذ، وإخطاره حالا، بما يصدر فيها من أحكام.
كما يقدم المحامي لموكله النصح، والإرشاد، فيما يتعلق بطرق الطعن الممكنة، مع لفت نظره إلى آجالها.
ولا يفوتنا أخيرا أن نشير لواجب مهم ينعكس أثره إيجابا على حقوق المتقاضين، هذا الواجب الذي نصت عليه المادة 37 من مسودة تعديل قانون المحاماة، ألا وهو واجب الخضوع لتكوين مستمر وفق برنامج سنوي يحدده النظام الداخلي للهيئة التي ينتمي إليها، وحسب المادة 38 من المسودة أعلاه، فإنه يعتبر كل إخلال ببرنامج التكوين المستمر مخالفة مهنية.
وهذا التعديل بخصوص التكوين المستمر يعد استجابة لتوجهات ميثاق إصلاح منظومة العدالة التي تحث على إيلاء التكوين المستمر عناية خاصة، فالتكوين المستمر يمكن المحامي من مواكبة مستجدات التشريع ويساعده على الرفع من مؤهلاته العلمية والأخلاقية وتقوية مداركه، وإن هذا لمن شأنه خدمة المتقاضي والمساهمة في تحقيق الأمن القضائي.
الأقسام:
مقالات