بقلم هيباوي كريم - حاصل على ماستر تخصص القانون المدني الاقتصادي
فإذا كانت المنافسة تهدف إلى تحرير كل الوسائل
المؤدية لتحقيقها، فإن ذلك مشروط طبعا بأن تكون هذه الوسائل قانونية تحترم النظام
العام الاقتصادي و المصالح المشروعة لباقي الفاعلين في السوق[3]، خاصة في ظل
الوضع الحالي الذي يعيشه المغرب .
لذلك إن النظام العام التنافسي ينصب على فكرة
توجيه العقد حتى من خلال "آلية الضبط" و التي تحمي المنافسة بين
الفاعلين الاقتصاديين داخل السوق، و ليس حماية العلاقات التعاقدية بينهم، مادام
الاقتصار على مبدأ القوة الملزمة للعقد بشكل تقليدي لن يساهم في تحقيق تطور
اقتصادي، بدون فكرة توجيه العقد[4]،فحسب بعض الفقه
المقارن هو نظام سيادي يأتي في شكل قواعد آمرة ملزمة و إلغاء العقود التي تخالفه
لا سيما تلك المنصوص عليها في إطار قانون حرية الأسعار و المنافسة[5]، ومن ثم فإن مبدأ
حرية المنافسة يظل مرهونا بمجموعة من الضوابط القانونية والأخلاقية، لذلك لا نشاط
بدون منافسة، و لا منافسة بدون أخلاق، وهناك من يصف المنافسة بديموقراطية النشاط الاقتصادي
التي تجعل الكلمة للزبون في ميدان السوق،[6] ومن هنا يمكن
القول ما مدى قدرة قانون حرية الأسعار و المنافسة و كذا مجلس المنافسة في حماية
فئة المستهلكين أمام وجود إضرابات إجتماعية بسبب فيروس كورونا ؟
الفقرة الأولى : دور قانون حرية الأسعار و
المنافسة في مواجهة فيروس كورونا
الفقرة الثانية : دورمجلس المنافسة في مواجة فيروس كورونا
إن محاربة الممارسات المنافية للمنافسة في حالة
إتفاق المقاولات فيما بينها على تحديد سعر البيع أو شراء سلعة معينة أو منع دخول منافسين
جدد أو تقسيم السوق و عرقلة المنافسة، وذلك من أجل زيادة أرباحهم أو تفادي الوقوع في
المخاطر التجارية، يترتب عنه طبعا مساس خطير بالسير الطبيعي للمنافسة، وبالتالي
إلحاق ضرر بمقاولات آخرى من جهة و بالمصلحة الاقتصادية من جهة ثانية، وفئة
المستهلكين من جهة ثالثة.[7]
الفقرة الأولى : دور قانون حرية الأسعار و المنافسة في مواجهة فيروس كورونا
نصت المادة6[8] من قانون حرية
الأسعار و المنافسة على حظر بعض الأعمال، الشيء الذي جعل المشرع المغربي يعيد
النظر في القانون رقم 06.99 الذي كان مجرد حبر على ورق خصوصا فيما يتعلق بتفعيل
المقتضيات المتعلقة بالاتفاقات المنافية للمنافسة، وهكذا أصدر قانون رقم 104.12
المتعلق بقانون حرية الأسعار و المنافسة حيث حاول المشرع فيه استحضار المعايير
الدولية المعمول بها في قانون المنافسة حتى يتم تقريب النظام المغربي لفلسفة
المنافسة وكذا تعزيز الحصانة القانونية للفاعلين[9]، وقد اعتبرت محكمة النقض الفرنسية على أنه " تعتبر
الاتفاقات باطلة كيفما كان شكلها، أو محلها أو من اثارها المنع أو التقييد أو
عرقلة عملية المنافسة"، و يتضح من هذا القرار أن ليس هناك تعارضا بين الحرية
التعاقدية و تنظيم المنافسة[10].
وبالرجوع إلى القانون الجديد رقم 104.12
المتعلق بحرية الأسعار و المنافسة نرى أنه قد استبعد الاتفاقات ذات الأهمية الدنيا
من نطاق الحظر، ويتضح ذلك من خلال الاعتراف بمفهوم السقف المؤثر seuil de sensibilité ، حيث اعتبر المشرع أن
الاتفاقات ذات الأهمية الدنيا لا تعرقل المنافسة بشكل و ملموس لا تخضع لأحكام
المادتين 6 و7، وهذا أمر طبيعي مادام أن الاتفاقات التي من شأنها أن تحدث اضطرابا
في السوق يكون لها أثر ضار ومؤثرا، أما الاتفاقات التي يكون أثرها محتمل أو جد
ضعيف في السوق فلا تشكل اضطرابا[11]. و
في هذا الصدد يطرح الإشكال في بعض الحالات حول مدى تأثير بعض الاتفاقات داخل السوق
خاصة في هذا الوضع الحالي ؟
بالعودة إلى التشريع الفرنسي عرف موقف
الهيئات المكلفة بالمنافسة اختلافا واضحا حول هذه النقطة فالقانون الفرنسي استعمل
هذا المفهوم تأثرا بالقوانين الأوروبية معتبرا أن الاتفاق لا يسقط تحت طائلة الحظر،
إلا إذ لم يكن بالإمكان تجاهل أثره على المنافسة، وقد أشارت هذه الهيئات في إحدى
توصياتها إلى أنه " يجب أن لا يقع الاتفاق فعلا تحت طائلة الحظر إلا إذا كان
التقييد الذي يحمله أو الذي يمكن أن يحمله على سير المنافسة ليس فقط نظريا وذهبت
على أنه يجب أن يكون مؤثرا ففي قرار لمحكمة النقض صادر لها بتاريخ 4 ماي 1993 ردت محكمة
النقض على قرار محكمة الاستئنافDijon بحجة أن محكمة الاستئناف
طبقت المقتضيات الواردة في المادة 7 من القانون 1 ديسمبر 1986 و التي تمنع
الاتفاقات التي يكون غرضها منافيا للمنافسة بشكل سليم بحسب التفسير المعطى للمادة
85 الفقرة1، التي أصبحت هي المادة 81 في الفقرة الأولى من القانون الأوروبي، حيث
قررت من خلاله لا يمكن لهذا الحظر أن يثار، لأن الاتفاق المتنازع بشأنه ليس له
تأثير في السوق ولا يمكنه أن يمس بسير المنافسة"[12].
وهكذا سارت الغرفة التجارية بمحكمة النقض
إلى أنه " لا يقع تحت طائلة الحظر الاتفاقات التي يكون لها مدى محدود في
السوق المرجعي و لا يمكنها أن تمس بسير المنافسة إلا بشكل مؤثر". وبالرجوع
إلى إحدى قرارات محكمة الاستئناف الفرنسية التي اعتبرت مفهوم الحساسية "sensibilité" لا يتدخل إلا كشرط لتحديد العقوبة على اعتبار أن هذه
الممارسة هي غير قانونية. لذلك يبدو أن محكمة الاستئناف أصبحت لاحقا تضم موقفها
إلى محكمة النقض[13].
أما بالنسبة للتشريع
المغربي في هذا الإطار و باستقراء محتوى المواد 6 و7 و 9 من قانون حرية الأسعار و
المنافسة يحظر الاتفاق أو المبني على رضى أطرافه والمعتبر بمثابة قانون ينظم موضوع
المعاملة التي حصل بشأنها الاتفاق ، فالعقد ولو كان مشروعا بالنسبة للجوانب و الشروط
التعاقدية، فإنه لن يفلت من تطبيق جزاء البطلان نتيجة عدم مشروعية قصديته، إذ يترتب
عن تنفيذه هدم لقواعد المنافسة و إعتداء على اقتصاد السوق، خاصة في هذا الوضع
الحالي وبالتالي تصبح محظورة في الحالة التي يهدف من وراءها عرقلة المنافسة و
الاعتداء على السوق[14]، أما المادة 10[15] من القانون
104.12 المتعلق بحرية الأسعار و المنافسة
المتعلقة بالبطلان، يظهر لنا أن المشرع المغربي يسعى من خلال هذا القانون
إلى حماية السوق وضمان حسن سير المنافسة داخله، و هو ما يجعل هذا البطلان يرتبط
بالنظام العام التوجيهي و نعتقد أن المشرع
المغربي قد أصاب حينما حدد الفئات المعنية التي يمكنها أن تطالب ببطلان العقود
التي تحمل طابع منافي للمنافسة.
الفقرة الثانية : دورمجلس المنافسة
في مواجة فيروس كورونا
لقد أشار المشرع المغربي إلى هذه المؤسسة في الفصل 166 من الدستور المغربي
لسنة 2011 حيث نص على أنه " مجلس المنافسة هيئة مستقلة مكلفة في إطار تنظيم
منافسة حرة و مشروعة بضمان الشفافية و الإنصاف في العلاقات الاقتصادية، خاصة من
خلال تحليل و ضبط و ضعية المنافسة في الأسواق، و مراقبة الممارسات المنافية لها
الممارسات التجارية غير المشروعة و عمليات التركيز الاقتصادي و الاحتكار" وقد
نظمه بمقتضى القانون رقم 20.13 حيث نص في المادة 6 منه "يمكن أن يستشار
المجلس من طرف المحاكم في شأن الممارسات المنافية لقواعد المنافسة و المثارة في
القضايا المعروضة عليها"[16]
وقد خول المشرع لهذه المؤسسة سلطات مهمة لعل في مقدمتها إغلاق المحلات التجارية
التي تخالف قواعد المنافسة لا سيما و أن الدولة تواجه تحديات إقتصادية و إجتماعية
و سياسية كبرى وهي تواجه فيروس كورونا في حين البعض الآخر يبحث فقط عن الربح
السريع من خلال رفع الأثمنة، مما جعل بعض الفقه يتساؤل هل للمحافظة على النظام
العام الاقتصادي يستوجب اللجوء إلى جزاءات ذات طابع جنائي ؟
الملاحظ أن الجزاءات الجنائية
تؤدي دورا وظيفيا عند عدم وجود التوازن بين الإلتزامات الذي من شأنه تهديد
الاقتصاد، فيتم اللجوء إلى النظام العام التوجيهي لإصلاح الأوضاع المترتبة على عدم
التعادل قصد تحقيق العدالة التعاقدية عن طريق الجزاءات الجنائية[17]، وذلك حتى يتم
تحقيق تكريس الشفافية و النزاهة و محاربة السلوكات التعسفية و الرقي بالسياسة الاقتصادية
الوطنية.
في الختام يمكن القول أن الأهداف التي سطرها
المشرع باعتبارها أهداف نبيلة تهدف إلى ضبط الشفافية و النزاهة في المعاملات الاقتصادية
و من أجل تحسين رفاهية المستهلكين، فإن فكرة النظام العام تبقى مرنة وتتعلق
بالمصالح الحيوية لاستمرار الدولة سواء، كانت اجتماعية، أو اقتصادية، سياسية، وبالتالي يبقى الدور على
عاتق القاضي لاكتشاف مثل هذه القواعد التي تتضمن هذه الأسس و لا يمكن الاتفاق على
مخالفتها.
[1]-Said ES-SAKALI, La reglementation des prix à la lumiére de la loi
06.99 , article , revue juridique AL MILAF ,N -1- juin 2003 , page 74.
-محمد ايت هماد، قراءة أولية حول قانون 06.99
المتعلق بحرية الأسعار و المنافسة من خلال العمل القضائي داخل الدائرة القضائية
باستئنافية أكادير[2]
-مادتي البنزين و الدقيق نموذجا-، مجلة القضاء و
القانون العدد 147 ، السنة، ص:22.
- أبو بكر مهم، التعسف في استغلال الوضع المهيمن
على ضوء قانون المنافسة ، المجلة المغربية لقانون الأعمال و المقاولات ، العدد 16
،السنة [3]
ماي 2009
، ص 51.
-أبو بكر مهم ، الاتفاقات المنافية للمنافسة
قراءة في المادة 6 من القانون رقم 99-06 المتعلق بحرية الأسعار و المنافسة ، مجلة
القضاء و القانون [7]
العدد 156 ،السنة 2009 ص: 47.
- الحسن الراني ، نظام مراقبة عملية التركيز
الاقتصادي مستجدات قانون رقم 104.12 المتعلق بحرية الأسعار و المنافسة وقانون رقم
20.13 [9]
المتعلق بمجلس المنافسة، مقال منشور بمجلة
القانون الاقتصادي ، العدد مزدوج 7/8 ، السنة 2016 ، ص 201.
- الحسن الراني ، نظام مراقبة عملية التركيز
الاقتصادي مستجدات قانون رقم 104.12 المتعلق بحرية الأسعار و المنافسة وقانون رقم
20.13[11]
المتعلق
بقانون حرية الأسعار و المنافسة ، ص217.
"يعد باطلا بقوة القانون كل التزام أو اتفاقية أو
بند تعاقدي يتعلق بممارسة محظورة تطبيقا للمادتين 6 و 7 أعلاه.
يمكن أن يثار البطلان المذكور من لدن الأطراف والأغيار
على السواء. ولا يجوز الاحتجاج به على الأغيار من لدن الأطراف، وتعاينه إن اقتضى
الحال المحاكم المختصة التي يجب أن يبلغ إليها رأي مجلس المنافسة أو قراره إن سبق
اتخاذه".
-أبو بكر مهم ، بطلان الممارسات المنافية لقواعد
المنافسة، التحولات الاقتصادية وانعكاساتها على ظهير الإلتزامات و العقود المغربي،
أعمال الندوة[16]
العلمية الدولية الثانية التي نظمها فريق البحث
في تحديث القانون و العدالة، بمناسبة الذكرى المئوية لظهير الإلتزامات و العقود
المغربي، بكلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجماعية ، السويسي، الرباط،
يومي 8و9 ماي 2013 ، ص: 203.