تعتبر حماية الحقوق والحريات، وضمان التمتع بها، والنهوض ضد كل الانتهاكات والخروقات الماسة بها، من أهم الأهداف الاستراتيجية التي يروم إلى تحقيقها المجتمع الدولي، وعلى هذا الأساس فقد صدرت العديد من الإعلانات والاتفاقيات الدولية التي سطرت العديد من الحقوق والحريات ونصت على ضمانات ممارستها وعلى كيفية الرقابة على مدى احترامها[1]. هذا بالإضافة إلى عقد العديد من المؤتمرات واللقاءات الدولية، والتي تمخضت عنها العديد من الإعلانات والتوصيات والقرارات التي من شأنها ضمان حماية فعالة لحقوق الإنسان وتعزيزها سواء على مستوى التشريع أو على مستوى الممارسة[2] دوليا ووطنيا[3].
غير أنه وبالموازاة مع هذا الإقرار والإجماع الدوليين على ضرورة العمل على ضمان التمتع بجميع الحقوق والحريات في بعدها الكوني، فإنه بالمقابل ومن خلال تفحص الاتفاقيات الدولية والإقليمية ذات الصلة بحقوق الإنسان نجدها قد رخصت للدول بمخالفة هذه الاتفاقيات، وذلك في ظروف معينة، هذا الترخيص الاستثنائي يعرف في أدبيات فقه حقوق الإنسان ب "نظام التحلل"[4] أو "نظام التعطيل"، وهي أنظمة وتدابير تقييدية تعطل الالتزامات في مجال حقوق الانسان بشكل جزئي لتنزيل بعض التدابير والإجراءات في حالات الأزمات البالغة الخطورة التي تستدعي إعلان حالة الطوارئ أو حالة الاستثناء، حيث تفرض الدول قيودا على التمتع بكثير من الحقوق كالحق في الاجتماع والتجمع لأغراض مشروعة معينة، أو الحق في التجول.
وفي ذات السياق، ولما كان ظهور وتفشي وباء "كورونا" قد أثار حالة من الذعر والهلع على المستوى العالمي والوطني بالنظر لحجم المخاطر التي حملها معه والمهددة للحياة البشرية في وجودها، وفي ظل ارتفاع عدد الإصابات والوفيات، وعلى غرار غالبية الدول التي اجتاحها الفيروس، فقد أعلن المغرب بدوره عن حالة الطوارئ الصحية.
وإزاء هذا الوضع، وبالموازاة مع فرض الحجر الصحي وصدور المرسومين المتعلقين بحالة الطوارئ الصحية[5]، فقد ثارت بالمقابل بعض المشكلات، وبرزت بعض الانتهاكات والخروقات المتعلقة بالشطط في استعمال السلطة وتعنيف المواطنين من طرف المكلفين بإنفاذ القانون، مما يشكل انتهاكا صريحا للحق في السلامة الجسدية وتعريضا للمواطنين للمعاملة اللاإنسانية والحاطة بالكرامة، وهو ما يمكن اعتباره خرقا لنظام "التحلل" الذي وإن كان يبيح تعطيل بعض الحقوق خلال حالة الطوارئ، فإنه من جهة أخرى يشدد على ضرورة عدم انتهاك مجموعة من الحقوق في أي حال من الأحوال، وأيا كان السبب.
وعطفا على ما سبق، سنحاول من خلال هذه الورقة تحديد مفهوم حالة الطوارئ ونظام التحلل، بالإضافة إلى محاولة ترسيم الحدود الفاصلة ما بين تطبيق نظام التحلل الذي يعطل مجموعة من الحقوق وما بين ضرورة التقيد بواجب عدم انتهاك الحقوق والحريات المستثناة من نظام التحلل أثناء فترة الطوارئ، وذلك من خلال أربعة محاور أساسية.
أولا: مفهوم حالة الطوارئ
لم يتفق فقهاء القانون العام على وضع تعريف محدد لحالة الطوارئ، إذ يختلف من دولة إلى أخرى، على اعتبار أن حالة الطوارئ ليس لها أسلوب واحد في التطبيق، بل لها عدة أساليب، ولكن الفقهاء اتفقوا في الغاية التي من أجلها فرضت حالة الطوارئ، وهي مواجهة ظروف استثنائية طارئة تمر بها البلاد تهدد أمنها وسلامتها[6].ومن المفيد التذكير في هذا المقام على أن لحالة الطوارئ مفهومان، مفهوم واقعي ومفهوم قانوني، ولا يجب الخلط بينهما. فإن المفهوم الواقعي فيمثل في حادثة أو حوادث تحل بالبلاد أو تحدق بها، ويتعذر مواجهة هذه الحالة أو الخطر بالوسائل القانونية العادية7.
وأما المفهوم القانوني، فيمثل في وجود نظام قانوني يشمل مجموعة من القواعد القانونية التي تضعها السلطة التشريعية في الدولة، لمواجهة ما قد يطرأ من حوادث لا يمكن مواجهتها وفقا لقواعد القانون الموضوعة لمواجهة الحوادث العادية.
وجدير بالذكر أن الدستور المغربي يخلو من أية عبارة تفيد حالة الطوارئ، حيث يكتفي في الفصل 49 بذكر القضايا التي يتداول فيها المجلس الوزاري، التي تشمل إعلان حالة الحصار، دون أي تحديد مسبق لمضمونها، فيما يكتف الفصل 74 بالتنصيص على إمكانية إعلان حالة الحصار لمدة 30 يوما، بمقتضى ظهير يوقعه بالعطف رئيس الحكومة، لا تمدد إلا بقانون8.
وبالرجوع إلى التعريفات الفقهية التي تناولت حالة الطوارئ نجد أن هناك من عرفها بأنها
"حالة تنظم شروطها واوضاعها الدساتير والقوانين أو الاثنان معا، ويصار إليها مؤقتا في الظروف الاستثنائية التي تلم بالدولة وتعجز التشريعات العادية عن مواجهتها، هذه الحالة تفرض خلالها تمتع الهيئة التنفيذية باختصاصات استثنائية واسعة ولكنها ليست طليقة من كل قيد، بل تخضع فيها ما مارسته من اختصاصات لمراجعة البرلمان والقضاء بحسب ما ورد، من قيود في الدساتير والتشريعات في الدولة وينتهي العمل بها حال انتهاء الظروف التي استدعت إعلانها9.
في حين عرفها جانب آخر من الفقه10 بأنها: "نظام قانوني يتقرر بمقتضى قوانين دستورية عاجلة لحماية المصالح الوطنية ولا يلجأ إليها إلا بصفة استثنائية ومؤقتة لمواجهة الظروف الطارئة التي تقتصر عنها الإدارة الشرعية".
وقد عرفها البعض الآخر بأنها "الحالة التي تتحقق إذا قامت ضرورة تحث السلطة التنفيذية عن الخروج على أحكام الدستور أو حكم القانون وذلك عن طريق ممارسة بعض الإجراءات الخطيرة الماسة بالحريات العامة عندما تكون القواعد القانونية المتبعة في الظروف العادية عاجزة عن تمكين السلطة التنفيذية عن مواجهة خطر جسيم محدق".11
ومما تقدم، نستطيع القول أن حالة الطوارئ هي تلك الحالة التي تخول السلطة التنفيذية سلطات واسعة لا تتمتع بها في الظروف العادية، وذلك لمواجهة ظروف استثنائية تتمثل بوجود خطر جسيم يهدد النظام العام وسير الحياة العامة، وأن لا يكون في وسع السلطات العامة مواجهة هذا الظرف الشاذ بتطبيق القوانين العادية مما تضطر معه إلى اللجوء لإجراءات استثنائية.12
ثانيا: تعريف التحلل وموقعه من داخل الاتفاقيات الدولية
بالرغم من أن مجموعة من الاتفاقيات الدولية قد أقرت نظام التحلل، غير أنها لم تكلف نفسها وضع تعريف لهذا النظام، مفسحة المجال للفقه في تقديم تعريف له، وعليه وقبل الوصول إلى تعريف نظام التحلل، نرى أنه من الضروري تحديد النصوص الدولية التي أشارت إليه سواء أكانت عالمية أو إقليمية، ثم بعد ذلك الوقوف عند تعريف التحلل.ففيما يخص النصوص ذات البعد العالمي نجد المادة 4 (الفقرة 1) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والتي تنص على أنه: " في حالات الطوارئ الاستثنائية التي تهدد حياة الأمة والمعلن عن قيامها رسميا يجوز للدول الأطراف في هذا العهد أن تتخذ في أضيق الحدود التي يتطلبها الوضع تدابير لا تتقيد بالالتزامات المترتبة عليها بمقتضى هذا العهد شريطة عدم منافاة هذه التدابير للالتزامات الأخرى المترتبة عليها بمقتضى القانون الدولي وعدم انطوائها على تمييز يكون مبرره الوحيد هو العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الأصل الاجتماعي".
أما النصوص الإقليمية، فنجد الاتفاقية الأوروبية لحقوق الانسان لعام 1950، والتي نصت في الفقرة 1 من المادة 15 على أنه: " في حالة الحرب أو الخطر العام الذي يهدد حياة الأمة يجوز لكل طرف سام متعاقد أن يتخذ تدابير تخالف الالتزامات المنصوص عليها في هذا الميثاق في أضيق الحدود التي يتطلبها الوضع وبشرط أن لا تتناقض هذه التدابير مع بقية الالتزامات المنبثقة عن القانون الدولي".
أما الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان لعام 1969فقد أكدت المادة (27/1) منها على أنه لا يمكن للدولة الطرف في أوقات الحرب أو الخطر العام أو سواهما في الحالات الطارئة التي تهدد استقلال الدولة أو أمنها أن تتخذ من إجراءات تحد من التزامها بموجب الاتفاقية الحالية ولكن فقط بالقدر وخلال المدة التي تقتضيها ضرورات الوضع الطارئ شريطة أن تتعارض تلك الإجراءات مع التزاماتها الأخرى بمقتضى القانون الدولي ولا تنطوي على تميز بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الأصل الاجتماعي.
وهو نفس التوجه الذي سار عليه الميثاق العربي لحقوق الانسان في الفقرة 01 من مادته 04، إذ ينص على أنه: " في حالات الطوارئ الاستثنائية التي تهدد حياة الأمة والمعلن قيامها رسميا، يجوز للدول الأطراف في هذا الميثاق أن تتخذ في أضيق الحدود التي يتطلبها الوضع تدابير لا تتقيد فيها بالالتزامات المترتبة عليها بمقتضى الميثاق".
هذه أغلب النصوص الدولية والإقليمية التي أباحت للدول تقييد بعض الحقوق وتعطيل نصوص اتفاقية أثناء إعلان الدول الأطراف لحالة الطوارئ كتجسيد فعلي لمبدأ الضرورة القاضي في بعض الظروف الاستثنائية مخالفة الاتفاقيات بشكل مؤقت، وذلك من أجل استمرار الدولة في القيام بوظائفها، لضمان حقوق الانسان وانتظام سير المرافق العامة.13
وعليه وبناء على ما سبق، فإنه يمكن تعريف التحلل بأنه: "خروج الدول عن أحكام الاتفاقيات الدولية وعدم التقيد بها، سواء أكان الأمر بمخالفة الالتزامات المنصوص عليها في هذه الاتفاقيات أو تعطيلها وذلك في حدود الضوابط والقيود التي فرضتها هذه الاتفاقيات"، فالتحلل في جوهره إذن هو رخصة قانونية منحتها الاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان للدول يتم بموجبها عدم التقيد بهذه الاتفاقيات الدولة متى توافرت الشروط القانونية المنظمة لهذه الرخصة14.
هذا وإذا سلمنا بأن التحلل في أساسه هو ترخيص قانوني منحته الاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان وأجازته استثناء للدول، فهل يعني ذلك أن الاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان تندرج في خانة القواعد غير الملزمة، أم أن المسألة لا تخرج من نطاق الاستثناء الذي استوجبته الضرورة ؟
الجواب عن هذا السؤال يسوقنا للجدل والنقاش المرتبط بضرورة وخطورة التحلل، فلئن كان التحلل من بعض المقتضيات الواردة في الاتفاقيات الدولية هو إجراء أكثر من ضروري -حسب الرأي المؤيد له- باعتباره وسيلة لضبط التوازن بين مصلحة الجماعة وحقوق الفرد، أي بين حماية النظام العام من الخطر الموجب للتحلل وبين التمتع بالحقوق، فإنه بالمقابل يشكل خطرا في حد ذاته – حسب الرأي المعارض له- باعتباره جاء في نصوص يلفها الغموض وتشوبها الصيغ الفضفاضة، نصوص لا تعين على تحديد المفهوم القانوني لعبارات الظروف الاستثنائية محل التطبيق، مما يفتح الباب واسعا للتفسير في مدلول كلمة الخطر أو الظروف الاستثنائية من خلال توظيف بعض المفاهيم التي لا تتساوى مع فكرة الخطر الذي يهدد حياة الأمة.
ثالثا: شروط ممارسة نظام التحلل
حتى يتسنى للدول ممارسة وتفعيل نظام التحلل، فإنه يلزم توافر بعض الشروط المعينة المتعارف عليها في أدبيات القانون الدولي لحقوق الإنسان، وهي شروط تنصرف إلى ما هو موضوعي وما هو شكلي، وهي في جوهرها تروم ضمان حقوق الانسان من إساءة استخدام نظام التحلل.أ – الشروط الموضوعية
- وجود حالة استثنائية.
- كون تدابير المخالفة في الحدود التي يقتضيها الموقف.
- عدم تعارض تدابير التحلل مع الالتزامات الأخرى المقررة في القانون الدولي.
- حظر المساس ببعض الحقوق.
- حظر تدابير التمييز.
- حظر التدابير التي يكون لها هدف آخر لا ينسجم والمحافظة على حياة الأمة.
- حظر التدابير التي تمس بالحقوق المعترف بها في القانون أو المعاهدات الدولية الأخرى.
ب – الشروط الشكلية
- الإعلان.
- التبليغ.
فالتحلل إذن هو رخصة قانونية منحتها الاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان للدول يتم بموجبها عدم التقيد بهذه الاتفاقيات متى توفرت الشروط القانونية المنظمة لهذه الرخصة بشقها الموضوعي والشكلي، غير أن سلامة إعلان حالة الطوارئ تستدعي أن يتضمن قرار الإعلان النقاط السالفة الذكر، كما يجب أن يتضمن مرسوم إعلان حالة الطوارئ بيان الحالة التي أعلنت بسببها، وتحديد المنطقة التي تشملها، وتاريخ بدء السريان، بالإضافة إلى ضرورة تحديد الحيز الزمني لحالة الطوارئ.
رابعا: الحقوق التي لا تقبل التحلل أو التعطيل أثناء حالة الطوارئ.
بموجب الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان وخاصة المواد التي تضمنت نصوص التحلل، فإن هناك عددا من الحقوق لا يجوز تقييدها ولا مخالفتها بأي حال من الأحوال وأيا كان السبب15، وتتنوع هذه الحقوق كما يلي:
- الحقوق المقررة بمقتضى المادة 4 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، إذ نص العهد في فقرته الثانية من هذه المادة على جملة من الحقوق لا يجوز تقييدها وهي: الحق في الحياة، حظر التعذيب، حظر العبودية، حظر الاحتجاز بسبب الوفاء بدين، حظر تطبيق القوانين الجنائية بأثر رجعي، الحق في الاعتراف بالشخصية القانونية، حرية الفكر والضمير والدين والعقيدة.
- الحقوق المقررة بمقتضى المادة 15 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الانسان والتي نصت عليها الفقرة 2 وهي: الحق في الحياة، حظر التعذيب، حظر الرق والعبودية، حظر تطبيق القوانين بأثر رجعي.
- الحقوق المقررة بمقتضى المادة 27 من الاتفاقية الأمريكية لحقوق الانسان، حيث نصت الفقرة الثانية من هذه المادة على أنه "لا يجوز تعليق أي حق من الحقوق التالية: الحق في الشخصية القانونية، الحق في الحياة، الحق في المعاملة الإنسانية، التحرر من العبودية، حظر تطبيق القوانين بأثر رجعي، حرية الضمير والعقيدة، حقوق الأسرة، الحق في الحصول على اسم، حقوق الطفل، الحق في الجنسية، الحق في المشاركة السياسية، الضمانات القضائية الأساسية لحماية هذه الحقوق.
- الحقوق المقررة بمقتضى المادة 4 من الميثاق العربي لحقوق الإنسان والتي يحظر الميثاق المساس بها وعدم جواز تقييدها في أي ظرف كان، وهي كالآتي: الحق في الحياة، حظر التعذيب، التحرر من الرق والسخرة، ضمان المحاكمة العادلة، الطعن في إجراء الاعتقال، مبدأ الشرعية الجنائية، عدم حبس شخص معسر عن وفاء دين ناتج عن التزام تعاقدي، عدم محاكمة شخص عن جرم مرتين، المعاملة الإنسانية للمسجون، الاعتراف بالشخصية القانونية، طلب اللجوء السياسي، التمتع بالجنسية، حرية الفكر والعقيدة والدين، عدم تعليق الضمانات القضائية اللازمة لحماية تلك الحقوق.
نستنتج من خلال سرد الحقوق المشمولة بالحماية والمستثناة من التحلل أثناء حالات الطوارئ، على أن هذه الحقوق تعتبر حقوقا من الدرجة الأولى والتي ترتبط وتتعلق بالأفراد مهما كانت الظروف ولا غنى للبشر عنها، ولا يمكن المساس بها أو تقييدها أو تعطيلها تحت أي ظرف كان نظرا لبالغ أهميتها16. وهي حقوق تنظمها قواعد قانونية من النوع الآمر، أما عدا هذه الحقوق، ولئن كانت مهمة للحياة الإنسانية إلا أن شأنها ليس كشأن هذه النواة الصلبة من الحقوق الإنسانية، إذ يمكن تقييدها والخروج عن القواعد التي تنظمها، وليس في ذلك ما يمكن أن يشكل خطرا على الإنسان ما دام الأمر يتعلق بمصلحة عليا يتم السعي للحفاظ عليها17، مع الحفاظ على الأساسي من الحقوق وإن كان الامر في حقيقته يدفعنا للقول أن كل حقوق الإنسان أمر مهم ولا يمكن الاستغناء عنها.
ونخلص للقول أيضا، على أن الامتثال لنظام التحلل والانضباط لقرار حالة الطوارئ بالرغم من تقييده لبعض الحقوق والحريات وعلى وجه الخصوص حق التجول وحق التجمع وحق التظاهر – هو أمر ضروري طالما يتوخى حماية النظام العام (الصحة العامة) من الخطر الوبائي المحدق به، بالمقابل فإن المنطق الحقوقي السليم يستوجب مساءلة كل منتهك للحقوق الإنسانية الغير قابلة للتحلل والتي لا يمكن بأي حال من الأحوال تعطيلها وتقييدها كالحق في السلامة الجسدية وتعريض الأفراد للإهانة والتعنيف غير المبرر وغير المتناسب، والتعذيب وغيره من ضروب العقوبات أو المعاملات القاسية أو المهينة.
المراجع
[1] - وبهذا، فالمرجعية الدولية المتمثلة في منظومتي القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، تشكل الأساس المتين والمنهج القويم لضمان حماية فعالة للحقوق والحريات كما هي متعارف عليها دوليا، وكما هي مكرسة في إطار التجارب والممارسات الفضلى.
2 - جمعية عدالة "الحماية القضائية للحقوق والحريات الأساسية"، مطبعة Blue Reflex، 2015، ص 08.
3 - ثمة حقيقة قد لا يختلف فيها اثنان، أن حقوق الإنسان أضحت حقيقة أكيدة على كل المستويات القانونية و السياسية وغيرهما، و لأدل على ذلك تلك المكانة التي باتت تشغلها على كل الأصعدة الرسمية منها و غير الرسمية، الوطنية منها و الدولية، فأصبحت تخصص لها حقيبة وزارية تكنى باسمها و أفردت لها مقررات دراسية ترافق المتمرس طوال دراسته، و أنشئت لها جمعيات تحمل على عاتقها إعلاء راية حقوق الإنسان في كل المحافل الوطنية، و قبل ذلك كله دسترة1 حقوق الإنسان و تخصيص فصول من الدستور للتغني و الإشادة و حماية حقوق الإنسان.
4 - زغدود جغلول "التحلل من الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان بين الضرورة والخطورة"، مجلة الحكمة، المجلد 02 العدد 03 يوليوز 2010، مؤسسة كنوز الحكمة للنشر والتوزيع، الجزائر، ص 154.
5-يتعلق الأمر بمرسوم بقانون رقم 2.20.292 يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، ومرسوم رقم 2.20.293 بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا-كوفيد19.
6 - محمد يوسف محيميد "حالة الطوارئ والسلطة المختصة بإعلانها في الدساتير المقارنة"، مجلة جامعة تكريت للحقوق، السنة 08 المجلد 04 العدد 29، 2016، ص 303.
7- عبد الحميد الشواربي، شريف جاد الله "شائبة عدم دستورية ومشروعية قراري إعلان ومد حالة الطوارئ والاوامر العسكرية"، منشأة المعارف، الإسكندرية، 2000، ص 62.
8- وحيث أن قواعد التأويل الدستوري تفترض أنه وثيقة تحمل مضامين متكاثفة ومكملة لبعضها البعض، وتشكل وحدة قانونية لا يمكن الفصل بينها، فإن السند الدستوري لإعلان حالة الطوارئ الصحية لا يوجد في الفصلين 49 و74، لكونهما يؤطران في الأصل حالة الحصار، بل في مقتضيات الفصول التالية: 20 (الحق في الحياة) و21 (الحق في السلامة البدنية وحماية الممتلكات) و31 (الحق في العلاج والعناية الصحية) و35 (الرعاية الخاصة للفئات الهشة) و40 (تحمل الجميع للأعباء الناتجة عن الآفات والكوارث الطبيعية) و72 (يختص المجال التنظيمي بكل ما لا يشمله اختصاص القانون، مثل تدبير الكوارث الطبيعية والصحية) و92 (تداول مجلس الحكومة في القضايا الراهنة المرتبطة بحقوق الإنسان وبالنظام العام) و145 و146 ( تنفيذ الولاة والعمال للنصوص التنظيمية ولمقررات الحكومة). وهي كلها مقتضيات يستفاد منها التدخل الدائم للسلطات العمومية، ضمن ما تقتضيه ضرورة استمرارية الأمن العام والسلامة الصحية للمواطنين في الأوقات العادية، فما بالك بالأوقات الاستثنائية، التي تستوجب تدخلها المباشر والممتد.
عبد الحميد بنخطاب " السند القانوني لإعلان حالة الطوارئ الصحية بالمغرب"، مقال منشور بموقع هسبريس بتاريخ 23 مارس 2023.
9- حقي إسماعيل بربوتي "الرقابة على أعمال السلطة القائمة في حالة الطوارئ"، رسالة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة عين شمس 1981، ص 21.
10- محمد طه بدوي "القانون والدولة"، دار المعارف، الإسكندرية، الطبعة 01، 1955، ص 59.
11- حقي إسماعيل برتوتي، مرجع سابق، نفس الصفحة.
12- زكريا عبد الحميد محفوظ "حالة الطوارئ والقوانين المنظمة لها"، مطبعة الإسكندرية، الإسكندرية، ص 159.
13- Rusen Ergec "Les droits de l'homme a l'épreuve des circonstances exceptionnel", Etude sur l'article 15 du la convention européenne des droits de l'homme, Edition Brylant, Belgique, 1987, p 24.
14- علاوة هوام "الطبيعة القانونية لقواعد حقوق الإنسان"، دفاتر السياسة والقانون، العدد 10، يناير 2014، كلية الحقوق والعلوم السياسية باتنة، الجزائر، ص 244.
15- علاوة هوام، المرجع السابق، ص 245.
16- يطلق على هذا الصنف من الحقوق اسم "الحقوق المقدسة" أو "النواة الصلبة" لحقوق الإنسان.
17- علاوة هلام، مرجع سابق، ص 246.