بقلم : ذ يوسف ربحي - باحث في جرائم تقنية المعلومات الحديثة
تقديـــم:
أثر التطور التكنولوجي الحاصل في وسائل الاعلام والاتصال على مختلف نواحي الحياة في جميع المجتمعات، ولكن آثاره كانت أكبر في المجال الإعلامي بظهور الإعلام الجديد، حيث لم تستبح أية مهنة من المهن كمهنة الصحافة والاعلام، المهنة التي أصبح يمارسها الجميع على اختلاف مستوياتهم التعليمية واختلاف ثقافاتهم وايديولوجياتهم، ولم يعد قطاع الإعلام حكرا على فئة معينة من خريجي أقسام وكليات الإعلام أو المنتسبين لمؤسسات إعلامية فقط، بل أصبح كل فرد في المجتمع في حالة بحث دائمة عن أخبار ينشرها في صفحاته أو يكتب عنها في مدوناته، أو يطرحها للنقاش داخل المجموعات التي ينتسب إليها عبر شبكات التواصل الاجتماعي1.
فقد شكلت هذه شبكات ومواقع التواصل الاجتماعي، منذ مطلع الألفية الثالثة، أحد أهم الوسائط الاجتماعية للتواصل ذات الاستقطاب الجماهيري المفتوح، حيث عملت على محو الفواصل والحواجز بين الدول والشعوب بشكل غير مسبوق، مما جعلها بحق أحد آليات تكريس العولمة، التي حولت العالم إلى قرية صغيرة، خاصة بعد أن انتقلت هذه الشبكات إلى وسيط للإخبار وتداول المعلومة، مما جعل الإعلام ينتقل من البعد المؤسسي إلى البعد الشعبي والجماهيري 2، وتحول من ثم كل مبحر افتراضي في الشبكة العنكبوتية إلى صحفي وإعلامي يشارك بشكل أو بآخر في الصناعة الإعلامية نقدا وتحليلا، إنتاجا للمعلومة واستهلاكا لها في الآن نفسه، بعد أن تحولت هذه الشبكات بدورها إلى وسائط لنشر المعلومة وتداولها 3.
هذا التحول الذي مس أطراف العملية الإعلامية بالموازاة مع ظهور الإعلام الجديد، نجده قد ساهم في مجال تعزيز الديمقراطية من خلال إيجاد مساحات ملموسة للحرية والتعبير وإبداء الرأي، وخلق قنوات تواصل لحظي وإعطاء فرصة للشباب للتعبيرعن طموحاتهم وتطلعاتهم، مما زاد من توسيع هامش حرية التعبير لدى الأفراد عبر مساهمتهم في خلق الحدث الإعلامي 4. وفي مقابل ذلك، فإن الإعلام الجديد قد ساهم أيضا في ظهور ممارسات إعلامية شاذة تستبيح الحياة الخاصة للأفراد والشخصيات العامة، ومعها الذوق العام للمجتمع، دون مراعاة لمشاعر الأفراد، والقواعد الأساسية لأخلاقيات ممارسة المهنة الإعلامية. حيث أضحت مواقع ومنصات التواصل الاجتماعي وتطبيقات التواصل الفوري (بمختلف أصنافها) والمواقع الإخبارية الإلكترونية تعج بمظاهر انتهاك الحق في الحياة الخاصة من خلال النبش في الفضائح والمنزلقات والكشف عن تفاصيل حميمية خاصة بالأفراد، واعتبار ذلك مادة دسمة كونها تغذي حصيلة التصفح وترفع من نسبة المشاهدات، وهي ممارسات وسلوكيات تتجاوز حرية التعبير لتطال وتخترق حق الآخرين في احترام حياتهم الخاصة.
في ظل هذه الانتهاكات التي تشكل خطرا يمس بالحق في الخصوصية، كان من الضروري أن تحظى الحياة الخاصة للأفراد باهتمام المشرعين على الصعيد العالمي، ذلك أن الحماية القانونية لحق الشخص في الحياة الخاصة أضحت ضرورة ملحة يقتضيها التطور السريع الذي واكب ظهور الإعلام الجديد.
وإزاء هذا الوضع، كان لزاما على المشرع المغربي أن يتفاعل مع هذه المستجدات التي أفرزها الجانب السلبي لتكنولوجيا المعلومات للتصدي للاعتداءات والانتهاكات التي تطال حرمة الحياة الخاصة. وهو ما استجاب له المشرع المغربي خلال السنوات الأخيرة عبر سن مجموعة من القوانين تتضمن بعض من فصولها مقتضيات تروم حماية الحياة الخاصة للأفراد في الفضاء السيبراني، بعد أن أبان الواقع عن أزمة واضحة في تكييف هذه الأفعال المستجدة طبقا للقواعد التقليدية للقانون الجنائي، حيث بادر المشرع المغربي إلى إضافة نصوص أخرى إلى مجموعة القانون الجنائي المغربي، وهو ما تأتى بإصدار القانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء الذي أدرج مواد جديدة تروم حماية حق الفرد في حياته الخاصة، هذا بالإضافة لما هو مدرج بقانون رقم 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر والذي تتضمن بعض من مواده مقتضيات تجرم انتهاك الحياة الخاصة للأشخاص. كل هذا من أجل ملاءمة هذه القوانين مع التطور التكنولوجي من جهة، وأيضا بغية التناغم مع المقتضى الدستوري المرتبط بالحق في حماية الخاصة المنصوص عليها في الفصل 24 من الدستور المغربي 5 من جهة أخرى6.
بناء على ما تقدم، تأتي هذه الدراسة لتبحث جدلية العلاقة بين حرية التعبير كحق من الحقوق الرقمية، وبين حماية الحق في الحياة الخاصة للأفراد في المجتمع الرقمي، وبصيغة أخرى: كيف يمكن التوفيق والموازنة بين الحق في التعبير وحق الخصوصية؟
وهو ما سنحاول الإجابة عنه من خلال محاولة إيجاد الحدود الفاصلة ما بين حرية التعبير التي يستند عليها الإعلام الجديد في إيصال رسائله، وحق الأفراد في الخصوصية، والحماية القانونية للجانب غير المعلن من حياتهم الذي يعبر عن الممارسات الخاصة بكل فرد، كل ذلك عبر ثلاث محاور أساسية، نخصص الأول لبسط بعض المفاهيم المرتبطة بالموضوع، على أن نتناول في المحور الثاني أهم تمظهرات وصور انتهاك الحق في الخصوصية في حقبة الإعلام الجديد، ثم نسدل الستار بالمحور الأخير الذي يقارب أوجه التدخل القانوني لصد الاعتداءات التي تمس الحق في الخصوصية في الفضاء السيبراني.
أولا: مدخل مفاهيمي
نتولى في هذا المدخل المفاهيمي تعريف الإعلام الجديد، ثم تحديد مفهوم حرية التعبير، ثم بعد ذلك نقوم بتحديد مضمون الحق في الخصوصية.
· الإعلام الجديد:
الإعلام الجديد مصطلح ظهر فعليا مع نهاية القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين، بسبب ظهور وسائل إعلامية إلكترونية جد متطورة، قادرة على ربط الناس في كل الظروف والأحوال بالمعلومة، تقوم على مبدأ استغلال كل من الحواسيب والشبكات الالكترونية وتكنولوجيا الاتصالات المتقدمة للوصول إلى أكبر عدد من الجمهور المهتم بالمعلومة التي تقدمها مؤسسة الإعلام بأقل تكلفة وأقصر طريقة، وأسرع وقت لنقل المعلومة 7. فالإعلام الجديد هو إعلام عصر المعلومات الذي كان وليدا لتزاوج ظاهرتين بارزتين عرف بهما هذا العصر، ظاهرة تفجر المعلومات (Information Explosion)، وظاهرة الاتصالات عن بعد (Telecomunication) 8.يتميز الإعلام الجديد بأنه إعلام متعدد الوسائط، أي أن المعلومات يتم عرضها في شكل مزيج من النص والصورة والفيديو، وهي معلومات رقمية يتم إعدادها وتخزينها وتعديلها ونقلها بشكل إلكتروني، كما يتميز بتنوع وسائله وسهولة استخدامها، وهي خصائص غيرت من أنماط السلوك الخاصة بوسائل الاتصال 9.
يعتمد هذا الإعلام على المواقع الإخبارية، الصحف الإلكترونية، مواقع البث الإذاعي والتلفزيوني عبر الانترنت، شبكات التواصل الاجتماعي، المدونات، المنتديات، الرسائل النصية، والنشر عبر مجموعات الهاتف النقال. ويتسم هذا الصنف الإعلامي بالسرعة في نقل المعلومة، إعادة تدوير المعلومة، التنوع في المحتوى والوسيلة، واستخدام كل وسائل نقل المعلومة الممكنة.
· حرية التعبير:
يعتبر الحق في التعبير الركيزة الأساسية في النظم الديمقراطية، ولها أهمية كبيرة لارتباطها بالجانب المعنوي للإنسان الذي لن يشعر بوجوده إلا إذا منحت له فرصة التعبير عن رأيه لغيره من بني جنسه، الأمر الذي يساهم في تطوير المجتمع.وتعني حرية التعبير إفساح المجال وتمكين كل إنسان في أن يعبر عن وجهة نظره وما يجول في فكره بمختلف وسائل التعبير شفاهة أو كتابة في قضية خاصة أو عامة. وبهذا فإن حرية التعبير هي أن يعلن الإنسان عن جملة من أفكاره وقناعاته التي يعتقد فيها الصلاح والصواب له ولغيره 10.
كما يعرفها البعض الآخر بأنها إخراج الآراء والأفكار وطرحها لعموم الناس عبر وسائل التعبير المختلفة، من كتابة وفن وكلام وحتى لغة الجسد، وتأتي حرية التعبير ضمن منظومة حقوق الإنسان السياسية 11.
وباعتبار حرية التعبير حقا فهو ينتج عن عضوية الإنسان داخل المجتمع الإنساني باعتباره جزءا منه ومسؤولا مكلفا فيه، وهو مدعو للإسهام برأيه لإثراء التجربة الإنسانية وتحصينا لها من العثرات والنواقص 12.
· الحق في الخصوصية:
يعد الحق في الخصوصية من الحقوق اللصيقة بالإنسان، وهو من أكثر الحقوق المثيرة للجدل بين فقهاء القانون منذ زمن بعيد، وكذلك حرمة الحياة الخاصة وقدسيتها التي صانتها الحضارات القديمة والأديان السماوية والدساتير والقوانين الوضعية في غالبية دول العالم 13. ويعتبر مفهوم الخصوصية من المفاهيم النسبية المرنة، بمعنى تغير هذا المفهوم وتبدله بين مجتمعات وأخرى وبين الثقافات والموروث الحضاري للدول، وكذلك بين زمان وآخر14.والحقيقة أنه ليس ثمة تعريف محدد للحياة الخاصة سواء على مستوى الفقه أو القضاء أو التشريع، ومرد ذلك إلى صعوبة وضع تعريف جامع مانع لها، ومع ذلك فهناك محاولات عدة في سبيل ذلك، إلا أنها تعريفات تختلف وتتمايز عن بعضها البعض تبعا لزاوية الرؤية والمسائل محل البحث، فهناك من يضع تعريفا إيجابيا للحياة الخاصة، سواء على شكل تعريف موسع كالقول بأن الحق في الحياة الخاصة هو "حق الشخص في أن يعيش حياته حرا كما يرغب مع أدنى حد من التدخل من جانب الغير"15، أو هو "الحق في الخلوة، أي حق الشخص أن يطلب من الغير أن يتركوه وشأنه ولا يعكر عليه أحد صفو خلوته، بل وحق الشخص ألا يكون اجتماعيا"16، أو على شكل تعريف ضيق يقيم الحياة الخاصة على ثلاث عناصر هي "السرية والسكينة والألفة" 17، وهناك من يضع تعريفا سلبيا لها 18، بل ويذهب اتجاه من وتعدد هذه التعريفات وعدم القدرة على الوصول إلى تعريف محدد للحياة الخاصة أو الخصوصية له ما يبرره، لأن مضمون الحياة الخاصة ذاته يختلف من مجتمع لآخر، وتبعا للسائد فيه من أخلاق وثقافة وعادات، فهي فكرة نسبية محكومة بقيم وقواعد السلوك والقانون الأخلاقي لكل مجتمع، فما قد يعد داخلا في نطاق الحياة الخاصة في مجتمع ما قد لا يعد كذلك في مجتمع آخر، وذلك بحسب نظرة المجتمع إلى ما هو محرم ولا يجوز المساس به، بل حتى هذه الفكرة قد تختلف باختلاف الزمان والمكان داخل المجتمع الواحد، بل ومن شخص لآخر، فما قد يعتبر من الخصوصيات لدى فرد معين، قد لا يكون على هذا النحو عند فرد آخر.
ثانيا: الاعتداء على الحياة الخاصة في عصر الاعلام الجديد: المظاهر والتجليات
أصبحت الحياة الخاصة للأفراد بصورتها المستحدثة والمتمثلة في بنوك المعلومات المرتبطة بالتكنولوجيا مهددة بالعديد من الانتهاكات والاعتداءات، ولا سيما بظهور الإعلام الجديد المتسم بالطريقة السريعة في نشر ونقل المعلومات وبذلك سهولة المساس بالحياة الشخصية للأفراد.وزيادة في التوضيح سنحاول الحديث عن أهم تمظهرات وصور انتهاك الحق في الخصوصية في المجتمع الرقمي، وحصرها في انتهاك الحق في الصورة والاعتداء الذي يطال المراسلات والمحادثات الالكترونية 19 باعتبارهما الأكثر انتشارا.
أ- الاعتداء على الحق في الصورة:
كثيرة هي صور الاعتداء على الحق في الصورة، وذلك راجع بالأساس للتطورات التكنولوجية الحديثة وشيوع استخدام تطبيقات ومواقع التواصل الاجتماعي لدى عامة الناس.وفي هذا الصدد، يلاحظ أن معظم حالات الاعتداء على الحق في الصورة تتشكل إما في إنتاج الصورة دون إذن صاحبها، أو نشرها دون إذن صاحبها.
· إنتاج الصورة دون إذن صاحبها:
يعتبر الحق في الصورة مظهرا من مظاهر حماية الحق في الحياة الخاصة، فمن الناحية القانونية لكل انسان سلطة على صورته، ومن صميم حقه منع تداولها لدى العامة، ويقصد بهذا الحق الاستئثار الذي يتيح للشخص منع غيره من أن يرسمه أو يلتقط له صورة دون إذنه 20. ومن هذا المنطلق فإن التقاط الصورة أو تسجيلها أو نقلها عملا غير مشروع تترتب على إثره المسؤولية الجنائية إذا تم ذلك بدون موافقة صاحب الصورة وأخذت بمكان خاص 21.والواقع أن عدم مشروعية إنتاج الصورة يمس بحق الإنسان في صورته، من حيث أن ذلك يمس بالحق في الحياة الخاصة (حالة تصوير دون علمه في مكان خاص)، أو إنه يمس بالحق في الطمأنينة (حالة تصويره من قبل المتطفلين في الأماكن العامة)، وهو ما يسمح بمعاقبة المصور المنتهك للحق في الحياة الخاصة والحق في الطمأنينة.
· نشر الصورة دون إذن صاحبها:
الحق في الصورة كما يخول الإنسان سلطة الاعتراض على انتاج صورته دون رضائه، فهو أيضا يمنحه سلطة الاعتراض على نشر صورته دون رضائه أو حتى مجرد عرضها.وعليه فإن نشر صورة شخص دون رضائه يعد عملا غير مشروع في غير الحالات التي يبررها القانون 22، لأن ذلك يعد بمثابة اعتداء على شخصية الانسان، فالنشر غير المشروع لصورة الانسان يعد في حد ذاته عملا مخالفا لما ينطوي عليه من أضرار معينة قد تصيب شخصية الانسان، لأنه قد يتضمن ضررين أساسيين:
أولهما، تشويه شخصية الإنسان بنشر صورته، وذلك من خلال تغيير ملامحه الجسمانية أو الذهنية أو الخلقية بما يخالف حقيقة واقعه، أي أن النشر يتم بعد إدخال تعديلات عليها، فيظهر الإنسان في وضع لم يوجد فيه في أي لحظة وتنسب إليه سلوكا لم يصدر عنه، في حين يعتقد من يشاهد الصورة أنها مطابقة للواقع وبحياد تام، أو كما يقال "الصورة لا تكذب" 23.
ثانيهما، استغلال شخصية الانسان بنشر صورته، ويحدث ذلك عندما يتم نشر الصورة أو المقطع الفيديوي في وسائل الإعلام بشتى أصنافها، بما فيها المواقع الإخبارية الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي لأغراض تجارية أو دعائية، وبدون رضا صاحبها.
ب- انتهاك حرمة المحادثات والمراسلات الإلكترونية:
تتحقق جريمة الاعتداء على المحادثات والمراسلات الإلكترونية إما باطلاع الشخص على الرسائل الإلكترونية أو سماع المحادثات الإلكترونية بصورة غير مشروعة وإذا كان من غير الضروري أن تتضمن الرسائل والمحادثات أسرار تتعلق بطرفي الرسالة أو المحادثة أي تتعلق بالمرسل والمرسل إليه، إلا أن الحماية الجنائية تشمل المراسلات والمحادثات الخاصة بصرف النظر عن مضمونها ومحتواها، أي سواء تضمنت أسرار هذه الحياة أم لم تتضمنها 24.فالركن المادي في جريمة الاعتداء على المحادثات والمراسلات الالكترونية يتمثل في أي فعل من شأنه أن يؤدي إلى الاطلاع على المراسلات الإلكترونية عمدا وبدون مسوغ قانوني، أو أن يتم الحصول عليها عن طريق التقاطها أو اعتراضها الكترونيا أو العمل على حجبها الكترونيا عن المرسل إليه، أو العمل على تنزيل هذه المحادثة -سواء أكانت صوتية أو مكتوبة-وإعادة إرسالها وتوزيعها عبر تطبيقات التواصل الفوري أو نشرها للعموم على مواقع التواصل الاجتماعي.
وبالنسبة للاعتداء على المكالمات أو المحادثات الالكترونية فإن الركن المادي يتحقق باستراق السمع للمحادثات دون رضاء أطراف المحادثة، والمحادثات الشخصية هي أي محادثة تتم بين شخصين أو أكثر سواء أكانت هذه المكالمات سلكية أو لا سلكية أو عن طريق الموبايل أو الأقمار الصناعية وغيرها من وسائل تقنية المعلومات الحديثة 25، ويتحقق الركن المادي للجريمة حتى إن كانت الأفكار أو الآراء الشخصية التي تم تناولها في المحادثة لا تتسم بالسرية، والمهم في الأمر أن يكون استراق السمع قد تم بغير رضاء المتحدث على ان لا تكون مراقبة المحادثة الإلكترونية مصرحا بها في الأحوال التي ينص عليها القانون 26.
وبالنسبة لاستراق السمع في المحادثات الإلكترونية فإنه ينبغي التمييز بين المحادثات التي تتم بين أطراف محددة سواء كانت المحادثات أو الحوارات الصوتية أو صوتية مرئية، وفي هذه الحالة تقع جريمة الاعتداء على المحادثة الإلكترونية متى تم استراق السمع دون موافقة أطراف الحوار، وبين المحادثات التي تحصل في حالات الحوار المفتوح والذي يتيح لأي شخص الدخول والاستماع إليه، إذ لا يقع الاعتداء في الحالة الأخيرة على اعتبار ان إتاحة الفيديو المباشر (اللايف) أو التسجيل الصوتي المباشر لعموم الجمهور يعتبر قرينة على الرضى على سماعه ورؤيته من طرف الأغيار.
ثالثا: الاعتداء على الحق في الخصوصية في ظل الإعلام الجديد وسؤال الحماية القانونية
من الثابت أن الإقرار الدستوري للحق في الحياة الخاصة يعد بلا معنى ما لم تواكبه نصوص جنائية تعزز حماية الأشخاص مما قد يتهددهم من جرائم تمس حرمة حياتهم الخاصة، بحيث يصبح الجانب التشريعي محور المحاور جميعها وقطب الرحى بما يتضمنه من جزاءات من شأنها ردع منتهكي حرمة الحياة الخاصة.وقد تصدى المشرع المغربي من جانبه لهذه الجريمة بالتأطير والتنظيم وأقر لها مجموعة من الجزاءات سواء من خلال القانون الجنائي (أ)، وأيضا من خلال ما تم التنصيص عليه على مستوى قانون الصحافة والنشر (ب).
أ- الحماية المقررة من خلال القانون الجنائي
من ضمن المقومات التشريعية الحديثة التي أرساها المشرع المغربي ضمن خطته في مجال حماية الحق في الحياة الخاصة، ما جاء به قانون رقم 13-103 المتعلق بمكافحة العنف ضد النساء من مستجدات تهم أساسا تجريم ومعاقبة المساس بالحق في الصورة والحق في الحياة الخاصة للأشخاص والتشهير بهم 27.وبالرجوع إلى الفصول التي تهم تجريم الأفعال الماسة بالحق في الحياة الخاصة، نجد أن المشرع قد تفاعل مع ثلاث حالات لانتهاك الحق في الخصوصية من خلال تحديد السلوكات والأفعال التي تندرج في خانة التجريم، إضافة إلى تحديد العقوبات المقررة لمقترفي هذه الأفعال، وهي كالآتي:
- الحالة الأولى: حيث جرم الفصل 1-447 من مجموعة القانون الجنائي في فقرته الأولى التقاط أو تسجيل أو بث أو توزيع أقوال أو معلومات صادرة بشكل خاص أو سري، دون موافقة أصحابها. كما جرم في الفقرة الثانية من قام بتثبيت أو تسجيل أو بث أو توزيع صورة شخص أثناء تواجده في مكان خاص دون موافقته وبأي وسيلة كانت بما في ذلك الأنظمة المعلوماتية، وقد أقر الفصل المذكور عقوبة حبسية من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة من 2000 إلى 20000 درهم، وذلك كلما ارتكبت أحد الأفعال السالفة الذكر عمدا.
- الحالة الثانية: قرر المشرع المغربي من خلال الفصل 2-447 عقوبات تتراوح بين سنة واحدة وثلاث سنوات وغرامة من 2000 إلى 20000 درهم، لكل من قام بأي وسيلة كانت بما في ذلك الأنظمة المعلوماتية، ببث أو توزيع تركيبة مكونة من أقوال شخص أو صورته من دون موافقته، أو لمن قام ببث أو توزيع ادعاءات أو وقائع كاذبة بقصد المس بالحياة الخاصة للأشخاص أو التشهير بهم.
- الحالة الثالثة: ترتبط هذه الحالة بالظروف المشددة، بحيث إذا توافرت تؤدي إلى التشديد في العقوبة حالة ما إذا ارتكبت الأفعال المنصوص عليها في الفصلين 1-447 و2-447 في حالة عود، او في حالة ارتكابها من طرف الزوج أو او الطليق أو الخاطب أو أحد الأصول أو الكافل او شخص له ولاية أو سلطة على الضحية أو مكلف برعايتها أو ضد امرأة بسبب جنسها أو ضد قاصر، حيث يعاقب في هذه الحالات بالحبس من سنة واحدة إلى خمس سنوات وغرامة من 5000 إلى 50000 درهم.
ب- موقف قانون الصحافة والنشر من انتهاك الحق في الخصوصية
استوعب المشرع المغربي أن الحق في الخصوصية وحرية التعبير يعبران عن تعارض شديد بين مصلحتين: الأولى مصلحة الفرد والمجتمع في ضمان حرية الرأي والتعبير دون المساس بجوهرها أو مصادرتها. والثانية، مصلحة الفرد في حماية الجانب غير المعلن من حياته الخاصة وعدم استغلاله في الإساءة إليه.وتبعا لذلك وضع المشرع الحدود الفاصلة التي يتعين على ممتهني الصحافة عدم تجاوزها من خلال بعض مواد القانون 13-88 المتعلق بالصحافة والنشر28، حيث نجده قد أضفى حماية أكبر على الحق في الحياة الخاصة والحق في الصورة من خلال تجريم مسألة التدخل في الحياة الخاصة للأشخاص، وكذلك المس بالحق في الصورة، حيث اعتبر القانون رقم 13-88 كل تعريض لشخص يمكن التعرف عليه، وذلك عن طريق اختلاق ادعاءات أو إفشاء وقائع أو صور فوتوغرافية أو أفلام حميمية لأشخاص تتعلق بحياتهم الخاصة، ما لم تكن لها علاقة وثيقة بالحياة العامة أو الرأي العام جريمة يعاقب عليها 29.
والملاحظ على المشرع أنه جرم فعل التدخل في الحياة الخاصة إذا تم النشر في هذه الحالة دون موافقة الشخص المعني بالأمر أو دون رضاه المسبقين وعاقب على ذلك بغرامة من 10000 إلى 50000 درهم، وفي حالة ما إذا كان ما تم نشره من معلومات يقصد منه المس بالحياة الخاصة للأشخاص والتشهير بهم، يعاقب الجاني بغرامة من 10000 إلى 100000 درهم سواء ارتكبت الجريمة بواسطة المكتوبات أو المطبوعات أو مختلف وسائل الإعلام السمعية البصرية أو الإلكترونية أو أية وسيلة أخرى تستعمل لهذا الغرض دعامة إلكترونية. هذا مع الإبقاء على حق المتضرر في المطالبة بتعويض 30 في إطار المسؤولية التقصيرية 31، وتراعي المحكمة في تقدير التعويض المعنوي والمادي لجبر الضرر الناتج عن المس بالحياة الخاصة مجموعة من الاعتبارات من قبيل مدى توفر سوء النية وملابسات وظروف ارتكاب الفعل الضار، وعناصر الضرر وحجمه، وأيضا التناسب بين التعويض وحجم الضرر وفقا للمبادئ العامة والخبرة المنجزة، هذا بالإضافة لرقم معاملات المقاولة الصحفية 32.
هذه هي أهم المقتضيات المرتبطة بالمس بالحق في الحياة الخاصة وبالحق في الصورة التي جاء بها قانون رقم 13-88، مقتضيات سوف تضع حدا للتجاوزات التي أصبح يمتهنها بعض من منتسبي الحقل الإعلامي الذين لا يفرقون بين الشهرة والتشهير ويجرون وراء الخوض في أعراض الناس والنيل من شرفهم بحثا عما بات يعرف ب "البوزLe buzz" لجلب أكبر عدد من المشاهدين والمتتبعين في ضرب صارخ لقواعد وأخلاقيات المهنة المتعارف عليها.
خاتمة:
نخلص إلى أن حرية التعبير هي إحدى الحريات المسلم بها في كل العالم، وتعد من أهم الحقوق الدستورية، وأكدتها كل المواثيق والإعلانات الخاصة بحقوق الإنسان وأبرزها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. ولكن هذه الحرية ليست مطلقة، بل تحدها بعض القيود، وأهمها احترام الحياة الخاصة للفرد بكل عناصرها استنادا إلى اعتبارات الشرف والكرامة التي يتمتع بها الفرد، مما يقتضي تقرير الحق له في أن يعيش في مأمن من التدخل في أسراره الشخصية.وعليه ومن خلال استقراء مجموعة من النصوص القانونية ذات الارتباط بالحق في حماية الحياة الخاصة، نود أن نسجل بعض الملاحظات:
- حاول المشرع الدستوري المغربي جاهدا وضع نوع من التوازن بين حرية التعبير والحق في حماية الحياة الخاصة، ليس هذا فحسب بل أن المشرع الدستوري قد منع الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة في صلب الدستور، وقد جاء النص عاما مطلقا دون تحديد أو تخصيص وذلك ليشمل كل اعتداء سواء وقع من الافراد أو من الصحافة أو من السلطة على حد سواء. وبذلك يشكل الفصل 24 من الدستور المغربي سياجا واقيا ضد الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة، وهو ما يؤكد حرص المشرع الدستوري على صيانة كرامة الفرد وآدميته.
- أن الأزمة في حرمة الحياة الخاصة لا تكمن في النص القانوني، وإنما في غياب الوعي لدى فئة عريضة من منتسبي الإعلام الجديد كون أن الخوض في أعراض الناس ونشر ما يهم حياتهم الخاصة يشكل انتهاكا للحق في الخصوصية ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن نصنفه في خانة حرية التعبير.
- أن الحد الفاصل بين حق الفرد في حماية حياته الخاصة وحق الجمهور في الاعلام والمعرفة هو مصلحة المجتمع، فالخوض في الحياة الخاصة للأفراد ونشر تفاصيلها لا يهم المجتمع في شيء، ولا فائدة ولا جدوى من نشرها سوى المساس بحقوق الناس، والنيل من اعتبارهم وشرفهم.
مراجع وهوامش
1- رفيق بوزانة، بسمة فنور، "الإعلام الجديد: بين حرية التعبير ومشكلة انتهاك الخصوصية"، مجلة مفاهيم، المجلد 01، العدد الرابع، الجزائر، ديسمبر 2018، ص 285.
2- صاحب ظهور الإعلام الجديد بزوغ مجموعة من المتغيرات، منها:
-كسر احتكار المؤسسات الإعلامية الكبرى.
-ظهور طبقة جديدة من الإعلاميين، وأحيانا من غير المتخصصين في الإعلام، إلا أنهم أصبحوا محترفين في استخدام تطبيقات الإعلام الجديد، حتى أنهم يتفوقون فيها على أصحاب الاختصاص الأصليين.
-ظهور منابر جديدة للحوار، فقد أصبح باستطاعة أي فرد في المجتمع أن يرسل ويتفاعل ويعقب ويستفسر ويعلق بكل حرية، وبسرعة فائقة.
-ظهور إعلام الجمهور للجمهور.
للإطلاع أكثر حول الظواهر التي برزت بالموازاة مع ظهور الإعلام الجديد، أنظر: عبد الرزاق محمد الدليمي، "الإعلام الجديد وصحافة المواطن"، دار وائل للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، ط 1، 2011، ص ص 221-223.
3- عياد أبلال،"شبكات التواصل الاجتماعي وصناعة الرأي العام في العالم العربي"، مجموعة من الباحثين، تنسيق وتقديم عياد أبلال، روافد للنشر والتوزيع، القاهرة، 2018، ص 03.
4- فاطمة الزهراء تنيو، فانيسة أدرار، "الإعلام الجديد ونهاية احتكار فضاء حرية التعبير"، مجلة العلوم الاجتماعية، المجلد 09 العدد 01، مارس 2020، جامعة قسطنطينة، ص 156.
5- من حيث المبدأ، الحماية القانونية للحقوق المرتبطة بالحياة الخاصة أو للخصوصية مبدأ دستوري أقرته معظم الدساتير والتشريعات العالمية ومنهم الدستور المغربي الذي كرس حماية حق الإنسان في حياته الخاصة في دستور 2011 في الفصل 24 منه والذي ينص على أنه:
لكل شخص الحق في حماية حياته الخاصة.
لا تنتهك حرمة المنزل، ولا يمكن القيام بأي تفتيش إلا وفق الشروط والإجراءات التي ينص عليها القانون.
لا تنتهك سرية الاتصالات الشخصية، كيفما كان شكلها. ولا يمكن الترخيص بالاطلاع على مضمونها أو نشرها، كلا أو بعضا أو باستعمالها ضد أي كان، إلا بأمر قضائي، وفق الشروط والكيفيات التي ينص عليها القانون.
حرية التنقل عبر التراب الوطني والاستقرار فيه، والخروج منه، والعودة إليه، مضمونة للجميع وفق القانون."
6- يوسف ربحي، "النظام القانوني لمكافحة جرائم تقنية المعلومات الحديثة ذات الطبيعة الجنسية والمضمون الإباحي"، أطروحة دكتوراه في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة سيدي محمد بن عبد الله-فاس، السنة الجامعية 2019-2020، ص7-8.
7- رفيق بوزانة، بسمة فنور، مرجع سابق، ص 286.
8- سميرة شيخاني، "الإعلام الجديد في عصر المعلومات"، مجلة جامعة دمشق، المجلد 26، العدد الأول والثاني، 2010، ص 442.
9- عبد الحسيب محمد تيمور، محمد علم الدين "الكمبيوترات وتكنولوجيا الاتصال، دار الشروق، القاهرة، دون سنة نشر، ص 206.
10- درار عبد الهادي، "الحق في الخصوصية كآلية لكبح ممارسة حرية التعبير"، مجلة حقوق الإنسان والحريات العامة، جامعة مستغانم، العدد الخامس، يناير 2018، ص 266.
11- خالد مصطفى فهمي، "حرية الرأي والتعبير"، دار الفكر الجامعي، ط 2، 2007، ص 122.
12- يعقوب عبد الحليم موسى، "حرية التعبير الصحفي في ظل الأنظمة السياسية العربية-دراسة تحليلية مقارنة للصحف والقوانين السودانية والاردنية"، دار مجدلاوي للنشر والتوزيع، الخرطوم، السودان، 2003، ص 376.
13- سوزان عدنان، "انتهاك حرمة الحياة الخاصة عبر الأنترنت، دراسة مقارنة"، مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية، المجلد 29، العدد الثالث 2013، ص. 421.
14- ظهور الحواسيب وثورة المعلومات والأنترنت أعطى للحق في الخصوصية زخما خاصا، ولاسيما بعد انتشار بنوك المعلومات في ثمانينيات القرن المنصرم، وما يسمى بهستيريا التواصل الاجتماعي عبر شبكة الأنترنت من خلال مواقع الدردشة وغرفها والشبكات الاجتماعية، إذ لا يتوانى الناس كبارا وصغارا عن وضع كثير من معلوماتهم الشخصية وصورهم ومقاطع فيديو خاصة بهم أو بأسرهم على شبكة الأنترنت، مما يشكل خطرا لا يستهان به على حرمة حياة الناس الخاصة من الانتهاك في مجال المعلوماتية. للاطلاع أكثر، راجع: يوسف ربحي، مرجع سابق، ص 149.
15- أسامة عبد الله قايد، "الحماية الجنائية للحياة الخاصة وبنوك المعلومات، دراسة مقارنة"، الطبعة الثانية، دار النهضة العربية، القاهرة 1989، ص. 11.
16- حسام الدين الأهواني، "الحق في الخصوصية، دراسة مقارنة"، مطبوعات جامعة الكويت، بدون سنة نشر، ص. 42.
17- تكشف لنا دراسة الفقه والقضاء المقارن -وعلى الأخص الفرنسي-أن تعريف الحياة الخاصة يدور حول ثلاث أفكار رئيسية: فكرة السرية، فكرة السكينة، فكرة الألفة. أي أن الخصوصية تعني -وفق هذا التعريف الضيق-أن ليس لأحد أن يقتحم على غيره عالم أسراره، وأن يدعه في سكينته، ينعم بالألفة دون تطفل عليهم.
أ-فكرة السرية L'idée de secret: ترتبط فكرة السرية ارتباطا وثيقا بفكرة الحياة الخاصة بل أن الفقه والقضاء المقارن قد اعترفا بالحق في سريتها، قبل الكلام عن الحق في احترامها. وقد أوردت غالبية التشريعات -ومنها التشريع المغربي-تطبيقات لهذا الحق متعلقة بسرية المراسلات وغيرها من وسائل الاتصال، وكذا حرمة المساكن وإفشاء الأسرار. ففكرة السرية أو الالتزام بعدم إفشاء الأسرار ما هي إلا وسيلة لضمان الحياة الخاصة ضد تدخل الغير ومن ثم فهي تضمن حق المرء في السكينة، وهو الحق الذي يسعى إليه كل شخص في حياته الخاصة.
ب-فكرة السكينةL'idée de tranquillité إذا كان السر هو الوسيلة التي بمقتضاها يمكن حماية الحياة الخاصة، فإن هذه الحماية سيكون من نتائجها تحقيق سكينة الفرد، وتكون عندئذ هذه السكينة هي الهدف المتوخى.
وتأخذ هذه السكينة مظهرا ماديا أو معنويا، فاقتحام حرمة مسكن شخص معين دون إذنه، يكون بمثابة تطفل على الحياة الخاصة لهذا الشخص، والتنغيص عليه في سكينته.
ج-فكرة الألفة L'idée d'intimité: يعد هذا العنصر من أهم العناصر جمعيا، فهو جوهر الحق في الحياة الخاصة، ولهذا السبب نجد بعض الفقهاء -كالفقيه مارتن في كتابه "سرية الحياة الخاصة في القانون المدني"، والفقيه Nerson في مؤلفه "La protection de l’intimité» -يستعملون تعبير الحق في الألفة مرادفا للحق في الحياة الخاصة.
وقد عرف الأستاذ كاربونيه Carbonnier الألفة بأنها: "الدائرة السرية للحياة، والتي يكون للفرد فيها سلطة إبعاد الآخرين". وعلى هذا يمكن أن تفهم الألفة على أنها نوع من العزلة يتمكن معها كل شخص من أن يخلو إلى ذاته بكل هدوء، دون خشية من أن يكون عرضة لنشر غير مبرر وغير مرغوب فيه.
للمزيد حول الموضوع انظر: ممدوح خليل بحر، "حماية الحياة الخاصة في القانون الجنائي، دراسة مقارنة"، دار النهضة العربية، القاهرة 2010، ص. 217 وما بعدها.
18- حيث يذهب جانب من الفقه إلى تعريف الحياة العامة وتحديد نطاقها، ومن ثم تكون الحياة الخاصة هي كل ما لا يعد من الحياة العامة، ومن ثم تكون الحياة الخاصة هي كل ما يعد من الحياة العامة للفرد، راجع أسامة قايد، مرجع سبق، ص. 41 وأيضا حسام الدين الأهواني، مرجع سابق، ص. 46، وأيضا يونس عرب "دور حماية الخصوصية في تشجيع الاندماج بالمجتمع الرقمي"، ورقة عمل مقدمة إلى ندوة "أخلاق المعلومات"، نادي المعلومات العربي 16/17 أكتوبر 2002، عمان، ص. 9 وما يليها.
19- ثمة اعتداءات أخرى تطال الحق في الخصوصية في الفضاء الرقمي لا يتسع المقام لتناولها هي الأخرى في هذا الصدد من قبيل جريمة التخزين والإفشاء غير المشروع للبيانات الشخصية، وجريمة المعالجة الإلكترونية للبيانات الشخصية دون ترخيص وتجاوز الغاية من المعالجة الإلكترونية، وجريمة الدخول غير المصرح به للأنظمة المعلوماتية.
20- ادريس النوازلي، "عولمة جرائم الاعتداء على الحق في الحياة الخاصة وما في حكمها في ظل القانون المغربي والقانون المقارن"، ط01، المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش، 2019، ص 125.
21- عرف القضاء الفرنسي المكان الخاص بأنه مكان غير مسموح لأي شخص بالدخول فيه إلا بإذن من شاغله بشكل دائم أو مؤقت.
Le lieu privé doit être conçu comme un endroit qui n’est ouvert à personne : sauf autorisation de celui qui l’occupe d’une manière permanente ou temporaire.
Crim., 8 Novembre 2006, Rev. Pénit. 2007, N 1, P. 184, obs.
22- إذا كان الحق في الصورة يعطي لصاحبه سلطة الاعتراض على إنتاج صورته أو نشرها وبالتالي إمكانية لجوئه إلى القضاء لدفع أي اعتداء أو مساس بصورته، إلا أنه وفي بعض الحالات، ورغم عدم وجود إذن بالتصوير، فإن عملية التقاط الصورة أو نشرها تصبح مباحة دون أدنى مسؤولية بحق من قام بهذا الفعل، وذلك إذا توافرت صفة العمومية، ومن ذلك تصوير الأماكن والأحداث العامة والوقائع العلنية، وأيضا الشخصيات العمومية والمشاهير في نطاق معين طبعا. فالحق في الصورة في آخر المطاف، هو حق نسبي وليس بالحق المطلق.
23- شريف درويش اللبان، "تكنولوجيا الاتصال: المخاطر والتحديات والتأثيرات الاجتماعية"، الدار المصرية، دون سنة نشر، ص 215.
24- المحادثات على نوعين إما مباشرة أو غير مباشرة، إلا أن كلاهما يتعرض للانتهاك سواء بالتنصت أو بالتسجيل أو بالنقل أو بالنشر خاصة باستعمال وسائل التكنولوجيا الحديثة التي أصبحت جد منتشرة، وبقدر انتشارها بقدر ما يتحقق به الخطر. ادريس النوازلي، مرجع سابق، ص 137.
25- إبراهيم شمس الدين، "وسائل مواجهة الاعتداءات على الحياة الشخصية في مجال تقنية المعلومات"، دار النهضة العربية، القاهرة، 2005، ص 45.
26- عبد الفتاح بيومي حجازي، "الجرائم المستحدثة في نطاق تكنولوجيا الاتصالات الحديثة"، المركز القومي للإصدارات القانونية، القاهرة، 2011، ص 440.
27- يوسف ربحي، مرجع سابق، ص 202.
28- ظهير شريف رقم 1.16.122 صادر في 06 ذي القعدة 1437 (10 أغسطس) بتنفيذ القانون رقم 13-88 المتعلق بالصحافة والنشر، الجريدة الرسمية عدد 6491-11 ذو القعدة 1437 (15 أغسطس 2016).
29- المادة 89 من القانون رقم 13-88 المتعلق بالصحافة والنشر.
30- تنص المادة 87 من قانون الصحافة والنشر على أنه: "يمكن لأي شخص يعتبر نفسه ضحية لنشر قذف أو سب أو مس بالحياة الخاصة أو مس بالحق في الصورة بطريقة مباشرة أو عن طريق النقل بمجرد تمكنه من التعرف عليه من خلال العبارات المستعملة في المطبوع المعني أو الصحيفة الإلكترونية المعنية بما فيها المواد السمعية والمرئية ولحق به ضرر أن يطلب التعويض وفق الشروط والشكليات المنصوص عليها في التشريع الجاري به العمل".
31- طبقا للفصل 77 من قانون الالتزامات والعقود المغربي فإن: "كل فعل ارتكبه الانسان عن بينة واختيار من غير أن يسمح له به القانون فأحدث ضررا ماديا أو معنويا للغير، ألزم مرتكبه بتعويض هذا الضرر، إذا أثبت أن ذلك الفعل هو السبب المباشر في حصول الضرر، وكل شرط مخالف لذلك يكون عديم الأثر".
32- المادة 91 من القانون رقم 13-88 المتعلق بالصحافة والنشر.
الأقسام:
مقالات