مــــحمـد عــــبســى
بـاحث في القانون الإداري والـعلوم الإداريــة.
إن الإدارة تشكل في الكثير من الدول المتقدمة وسيلة
لخدمة المواطن في أحسن الظروف الممكنة، لذلك فهي تقوم بواجباتها على الوجه الأمثل،
ولما كان هدف الإدارة هو تحقيق المصلحة العامة، فإنها تكون مطالبة بتجديد هياكلها
وبنياتها وأساليب إدارتها للشأن العام، وبالتالي فإنها تقوم بإعادة تنظيم أجهزتها
وطريقة عملها بما يعود على المواطن بالنفع في حياته الاجتماعية والاقتصادية
والفكرية والثقافية، وقد كان من الطبيعي أن تعرف الإدارة المغربية هي الأخرى في
السنين الأخيرة تحولات مهمة تطورت معها مهامها ووظائفها، وذلك كانعكاس طبيعي لتطور
وظائف الدولة، ولما كان النشاط الإداري يمتد ليشمل أجزاء التراب الوطني كافة، فإن
الإدارة المركزية لايمكنها لوحدها مهما بلغت كفاءتها وإمكانياتها البشرية والمالية
واللوجستيكية أن تضطلع بمهمة تأطير فعال لمختلف جهات وأقاليم المملكة.
بيد أن الإنتقال من إدارة التعليمات والتوجيهات
إلى إدارة ترابية قادرة على أن تكون رافعة أساسية للمشاريع التنموية المحلية
والجهوية، يستوجب بالضرورة القطع مع الأساليب البيروقراطية والمبالغة في التراتبية
الإدارية والمتشبتة بحرفية النص، والتي تفتقد إلى المرونة اللازمة لمواكبة تداعيات
العولمة. ولعل إعتماد سياسة الإصلاح الإداري ليس هدفا بحد ذاته، بل عملية تتوخى
إعادة النظر في المنظومة الإدارية قصد تحديثها وجعلها أكثر ملاءمة للتغيرات
المستمرة للمشهد الإداري، وهو الأمر الذي سيؤدي لا محالة إلى تحديث وتطوير العمل
الإداري.
حيث أنه من بين الآليات المهمة التي اهتدى
إليها المشرع المغربي تلك المتعلقة بسن نظام اللاتمركز الإداري الذي يسعى إلى
إحداث قطيعة مع النظام المركزي التقليدي والمتحجر، من خلال الحد من تمركز سلطة
اتخاذ القرار على مستوى الإدارات المركزية، وحصر نشاطها في الوظائف الإستراتيجية
المتمثلة في بلورة تصور السياسات العمومية، مع ترك تنفيذها وتنزيلها على المستوى
الترابي إلى المصالح اللاممركزة، وبالتالي تعتبر هيئات اللاتمركز الإداري ركيزة
أساسية من ركائز التنظيم الإداري للدولة، فهي تشكل امتدادا للإدارة المركزية وأداة
لتنزيل التوجهات والسياسات العمومية، وهو مايجعلها حلقة مهمة في التنمية الترابية،
إلى جانب الجماعات الترابية بمستوياتها الثلاثة، كما أنه يمكن اعتبارها التجسيد
العملي لمفهوم إدارة القرب، كفلسفة تجعل المواطن في صلب اهتمامات الإدارة.
المحور الأول : قراءة في مضامين الفصل 145 من دستور
2011.
يعتبر منصب العامل والوالي من المناصب
الحساسة في الهرم الإداري على صعيد الإدارة الترابية، باعتباره المحرك الحقيقي
لحركة التنمية المحلية الشاملة، فشخصية العامل تستمد بريقها من عدة سمات تطبعها
ارتكازا على هاته النظرة ما انفك دوره يتعاظم يوما بعد يوم، وسلطته تتعزز من وقت
لآخر، حيث تعد مؤسسة الوالي أو العامل السلطة الإدارية العليا في نطاق الحدود
الإقليمية أو الجهوية التي يمارس فيها اختصاصاته، وهي إحدى ركائز النسق السياسي
والإداري المغربي، وقد تم تصنيفها إلى مؤسسة لإعتبارات تتلخص في الأدوار التي تقوم
بها على الصعيد السياسي بالدرجة الأولى، ثم الإداري والإقتصادي ولاعتبار دسترة
مؤسسة العامل منذ أول دستور.
فمن خلال قراءة المقتضيات الدستورية التي أطرت إختصاصات
الولاة والعمال في دستور 2011، نجد الفصل 145 الذي ينص على أنه :
يمثل ولاة
الجهات وعمال الأقاليم والعمالات، السلطة المركزية في الجماعات الترابية.
يعمل الولاة والعمال، باسم الحكومة،
على تأمين تطبيق القانون، وتنفيذ النصوص التنظيمية للحكومة ومقرراتها، كما يمارسون
المراقبة الإدارية.
يساعد الولاة والعمال رؤساء الجماعات الترابية، وخاصة رؤساء المجالس
الجهوية، على تنفيذ المخططات والبرامج التنموية.
يقوم الولاة والعمال، تحت سلطة الوزراء المعنيين، بتنسيق أنشطة
المصالح اللاممركزة للإدارة المركزية، ويسهرون على حسن سيرها.
وبالتالي
عند قراءة الفقرة الأولى من الفصل أعلاه نجد على أن المشرع أعطى لرجال السلطة أي الولاة
والعمال إختصاص مهم في إطار سياسة اللاتمركز الإداري الا وهي تمثيل السلطة
المركزية على مستوى الجماعات الترابية، أي أنهم يمثلون العاصمة في الجهات
والأقاليم والعمالات التي ينتمون إليها مما يعطينا صورة واضحة أن الدولة أعطتهم إمتياز
كبير في هذا السياق.
أما
فيما يخص الفقرة الثانية كانت جد واضحة بأن الولاة والعمال يعملون باسم الحكومة أي
السلطة التنفيذية على ضمان وتأمين تطبيق المقتضيات القانونية وتنفيذ كل ما يصدر عن
السلطة التنفيذية من مقررات ونصوص تنظيمية، كما أعطى المشرع إمكانية ممارسة
الرقابة الإدارية من طرف الولاة والعمال على الجماعات الترابية ومجموعاتها
وهيئاتها.
وعند
التمعن في تفاصيل الفقرة الثالثة من الفصل أعلاه، نجد أن الولاة والعمال يقومون
بمساعدة رؤساء الجماعات الترابية وبالخصوص رؤساء المجالس الجهوية التي يسهر الوالي
على تقديم كل أشكال الدعم والمساعدة لها. بطبيعة الحال من أجل تنفيذ المخططات
والبرامج التنموية التي تنجزها الجماعات الترابية وعلى رأسها الجهات بحكم أنها
تتصدر الجماعات التربية وهي التي تساهم في إلتقائية السياسات العمومية على المستوى
الجهوي.
وفي
الأخير ركزت الفقرة الرابعة من الفصل 145 من دستور 2011، على أن الولاة والعمال
منح لهم إختصاص جد مهم ألا وهو السهر على تنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة لكن يجب
الإشارة هنا أنه تحت سلطة الوزراء المعنيين المشرفين على وزاراتهم.
إن هيئة الولاة قامت بأدوار طلائعية ومجهودات
كبيرة في سبيل نجاح نظام الولاية، وهي اليوم مطالبة برفع تحدي التنمية الإقتصادية
والإجتماعية الجهوية. أما مؤسسة العامل فهي تعد من بين الوظائف البارزة التي تحتل
مرتبة إستراتيجية في النظام الإداري المغربي وتشكل محطة إدارية وسياسية للحكومة
على المستوى الإقليمي والجهوي، وذلك بسبب المركز الإداري الذي يحتله، والسلطات
الإدارية التي يتوفر عليها على صعيد سير دواليب الإدارة المحلية، وبالنظر إلى
الأهمية الخاصة لمنصب العامل، في الأوضاع الراهنة التي يراد فيها دفع عجة التنمية
بدرجة أكثر في الأقاليم، فقد أعيد تنظيم وضعيته واختصاصاته بقانون خاص. ولعل أهم
ما جاء في التنظيم الجديد هو رفع مكانة العامل وجعله "ممثل الجلالة
الشريفة" ومندوب الحكومة في العمالة أو الإقليم الذي يمارس فيه مهامه ولاشك
أن هاتين الصفتين الجديدتين سوف تحققان للعامل وضعية قانونية ومعنوية ذات أثر في
مواجهة موظفي السلطة المركزية ولاسيما رؤساء المصالح اللاممركزة العاملين في
الإقليم.
المحور الثاني : سياسة
اللاتمركز الإداري في التنظيم الإداري المغربي.
يعتبر اللاتمركز الإداري من الأساليب
الإدارية الحديثة النشأة ويتجلى في الإعتراف لبعض الموظفين التابعين لوزير معين
بسلطة اتخاذ بعض القرارات ذات الأهمية القليلة أو المتوسطة والبث فيها نهائيا دون
الرجوع إلى العاصمة وهي من بين طرق تخفيف الثقل المركزي في التسيير وتحقيق وطأ
النمط المركزي في التدبير، وبالتالي تتحقق السرعة والمردودية والفعالية ويقتضي
بتوزيع السلطات الإدارية بين الحكومة المركزية وممثليها على الصعيد المحلي بحيث
يتيح لهؤلاء بعض الصلاحيات والإختصاصات والسلطات الإدارية مع بقائهم تابعين
للحكومة المركزية ومعينين من قبلها وخاضعين لرقابتها أي دون أن يترتب عن ذلك استقلالهم
عنها. فالإعتراف بهذه السلطة لموظفي الوزارة سواء كانوا في العاصمة أو في الإقاليم
كما قد تخول هذه السلطة بصفة فردية شكل لجان إدارية مع بقائهم تابعين للدولة.
وفي تجسيد لمفهوم اللاتمركز الإداري في
التنظيم الإداري المغربي، يعتبر اللاتمركز الإداري صورة من صور المركزية الإدارية، ويعني تفويض أو نقل جزء من اختصاص
السلطة المركزية للمصالح اللامممركزة للدولة على مستوى الجهات والعمالات أو
الأقاليم، وهكذا فاللاتمركز الاداري يتجسد من خلال العديد من الهياكل الإدارية على مستوى كل وزارة تحت اشراف الوزير
والخضوع لسلطته الرئاسية، مع ملاحظة أن لرجال السلطة وخاصة الوالي والعامل
وكذا الجهات دور مهم في انجاح سياسة اللاتمركز الإداري وأهدافه، ونظرا لطبيعة بعض القطاعات
وخصوصيتها فقد تم استثناؤها من أحكام مرسوم اللاتمركز الإداري.
لقد عرف أسلوب
اللاتمركز الإداري مجموعة من التطورات وتغييرات التي حاولت جعله يساير التحولات
التي تعرفها الإدارة المغربية، وعدم الارتباط الوثيق بالمركزية المفرطة، ومن هنا
تم ترسيخ اللاتمركز الإداري بالمغرب وذلك راجع إلى أن التدبير المركزي لم يعد
يساير التحولات التي تعرفها الإدارة ولم يعد كذلك يتناسب مع تشعب الاختصاصات
والمهام وكذا تعدد الحاجيات، وبالتالي أصبح اللاتمركز الإداري مطلب جوهري لتجاوز
هذه الاختلالات على مستوى تدبير الشأن العام.
لقد أنيطت بولاة
الجهات وعمال العمالات والأقاليم أدوار محورية نظمتها تحديدا المواد
من 26 إلى 29 من مرسوم اللاتمركز الإداري، بالإضافة إلى المقتضيات المضمنة في نصوص
تشريعية أو تنظيمية، وهكذا وطبقا للفصل
145 من الدستور فإن الولاة والعمال يقومون تحت سلطة الوزراء المعنيين
بتنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة ويسهرون على حسن سيرها، ومن أجل ذلك فإنهم يتولون
القيام باختصاصات عديدة منها:
·
الإشراف على تحضير
البرامج والمشاريع المقررة من قبل السلطات العمومية أو تلك التي كانت موضوع
اتفاقيات أو عقود مع هيئات أخرى، طبقا للمادة 23 من مرسوم اللاتمركز الإداري،
ويسهرون على ضمان التقائيتها وانسجامها وتناسقها؛
·
يعهد إلى الولاة
والعمال كل في دائرة اختصاصه باتخاذ جميع التدابير اللازمة لتنفيد المصالح
اللاممركزة للدولة لمهامها وللالتزامات الملقاة على عاتقها وقيامها بإنجاز البرامج
والمشاريع المذكورة؛
·
يمكن للوالي أو
العامل حسب الحالة، إبرام اتفاقيات وعقود بخصوص البرامج والمشاريع المذكورة ؛
·
يسهر الولاة
والعمال بصفتهم ممثلين للسلطة المركزية،
كل في دائرة اختصاصه، على اتخاذ جميع التدابير المناسبة واللازمة لضمان مواكبة
المصالح اللاممركزة للدولة للجماعات الترابية ومجموعاتها وهيئاتها في انجاز
برنامجها ومشاريعها التنموية ؛
·
يمكن للولاة
والعمال، كل في دائرة اختصاصه، أن يقترحوا على السلطات الحكومية المعنية اتخاذ كل
تدبير ذي طابع قانوني أو مالي أو إداري أو تقني أو بيئي، يندرج ضمن اختصاصاتها، من
شأنه تحسين أداء المصالح اللاممركزة على مستوى الجهة أو العمالة أو الإقليم، حسب
الحالة، قصد الاستجابة لانتظارات المرتفقين وتبسيط إجراءات استفادتهم من الخدمات
العمومية المقدمة لهم ؛
يحيط الولاة
والعمال السلطات الحكومية علما، وبصفة منتظمة بالإجراءات المتخذة من
أجل ضمان انجاز برامج الاستثمار وأشغال التجهيز التي تتولى الدولة أو المؤسسات
العمومية أو المقاولات العمومية أو القطاع الخاص إنجازها على مستوى الجهة أو
العمالة أو الإقليم، حسب الحالة، وبوضعية تنفيد هذه البرامج والأشغال، وعند
الاقتضاء، بملاحظاتهم ومقترحاتهم لتذليل الصعوبات التي قد تعترض إنجازها داخل الآجال
المقررة.
الهامش :
v
عبد الواحد القريشي، التنظيم الإداري المغربي وفق
مستجدات الميثاق الوطني للاتمركز الإداري، الطبعة
الثانية، 2019.
v
الحاج
الشكرة، التنظيم الإداري : الإدارة المركزية - الجماعات الترابية ، الطبعة 2019.
v
سعيد
النكاوي، ميثاق اللاتمركز الإداري والتدبير اللامتمركز للإستثمار دراسة تحليلية،
طبعة 2019.
v
خالد
صديق، مؤسسة الوالي أو العامل: بين سياستي اللاتمركز واللامركزية على ضوء دستور
2011 والقوانين التنظيمية للجماعات الترابية 2015، منشورات مجلة العلوم القانونية،
سلسلة البحث الأكاديمي28، الطبعة الأولى، 2018.
v إيمان داودي، الوالي والعامل والتنمية المحلية
بالمغرب، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، جامعة محمد الخامس بالرباط،
كلية العلوم القانونية والإقتصادية والإجتماعية سلا، السنة الجامعية 2015-2014.
v دستور فاتح يوليوز 2011، الصادر بتنفيذه الظهير
الشريف رقم 1.11.91 ، الصادر في 27 من شعبان 1432، الموافق ل 29 يوليو 2011،
الصادر بالجريدة الرسمية عدد 5964، مكرر، الصادرة في 28 شعبان 1432 الموافق ل 30
يوليو 2011.
v مرسوم رقم 2.17.618 صادر في 18 من ربيع الأخر
1440 (26.ديسمبر.2018) بمثابة ميثاق وطني لللاتمركز الإداري، الجريدة الرسمية عدد
6738 بتاريخ 27 ديسمبر 2018.